الجمعة 21 مارس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
اقتصاد مصر

بعد ارتفاعه لأعلى مستوى في تاريخ مصر.. ايه هو الفائض الأولي وما علاقته بأزمة الديون؟

الجمعة 21/مارس/2025 - 05:30 م
ماذا يعني تحقيق أعلى
ماذا يعني تحقيق أعلى فائض أولي في تاريخ مصر

في خطوة تاريخية تعكس تحولا ملحوظا في الأداء المالي للدولة، أعلن وزير المالية المصري، أحمد كجوك، تحقيق فائض أولي بلغ 330 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو 2024 إلى فبراير 2025، وهو الرقم الأعلى في سجل الاقتصاد المصري.

جاء هذا الإعلان خلال اجتماع مع رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، ليثير تساؤلات جوهرية حول دلالات هذا الفائض، وأسباب تحقيقه، ومدى تأثيره على أزمة الديون المزمنة التي تثقل كاهل الاقتصاد الوطني في السنوات الأخيرة. 

ماذا يعني تحقيق فائض أولي؟ 

ماذا يعني تحقيق أعلى فائض أولي في تاريخ مصر 

الفائض الأولي، في جوهره، هو الفارق بين إجمالي إيرادات الدولة ونفقاتها العامة، باستثناء تكاليف خدمة الدين “الفوائد”، ويعد هذا المؤشر مقياسا حاسما لقدرة الحكومة على إدارة مواردها المالية بكفاءة، بعيداً عن أعباء الديون المتراكمة.

وتحقيق فائض أولي مرتفع يعني أن الدولة تمتلك موارد إضافية يمكن توجيهها إما لتخفيض الدين العام، أو للاستثمار في مشروعات تنموية، أو لتعزيز الاحتياطيات المالية لمواجهة الأزمات. 

في حالة مصر، فإن تحقيق فائض أولي، دليل على نجاح السياسات الإصلاحية التي بدأتها الحكومة منذ نوفمبر 2016، بالشراكة مع صندوق النقد الدولي، والتي تضمنت تحرير سعر الصرف، وتقليص دعم الطاقة، وتطوير منظومة الضرائب، والتي أسهمت جميعها في تعزيز الانضباط المالي ورفع كفاءة جمع الإيرادات.

أسباب ارتفاع الفائض الأولي

احمد كجوك وزير المالية 

ووفقا لبيانات وزارة المالية، بلغ الفائض الأولي خلال الخمسة أشهر الأولى من العام المالي (يوليو إلى نوفمبر 2024) نحو 170 مليار جنيه، مقارنة بـ60.8 مليار جنيه في الفترة ذاتها من العام المالي السابق، أي بزيادة تصل إلى ثلاثة أضعاف.

ومع استمرار الزخم حتى فبراير 2025، قفز الرقم إلى 330 مليار جنيه، مدفوعاً بارتفاع الإيرادات الضريبية بنسبة 38.4% على أساس سنوي، وهي أعلى نسبة نمو منذ سنوات، ويعكس هذا الارتفاع نجاح مشروعات ميكنة الضرائب وحصر المجتمع الضريبي، فضلاً عن تحسن النشاط الاقتصادي رغم التحديات العالمية.

في الوقت نفسه، أشار رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، إلى أن هذا الفائض يمثل أعلى مستوى تاريخي خلال فترة مماثلة، مما يضع مصر على خريطة الدول القادرة على تحقيق استقرار مالي في ظل ظروف اقتصادية معقدة، تشمل التضخم العالمي وتداعيات التوترات الجيوسياسية.

علاقة الفائض الأولي بالديون

رغم الإشادة بهذا الإنجاز، يبقى السؤال المحوري: كيف يرتبط الفائض الأولي بأزمة الديون المصرية؟، حيث يبلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر، وفقا لتقديرات البنك المركزي، نحو 165 مليار دولار بنهاية 2024، بينما يتجاوز الدين الداخلي 6 تريليونات جنيه. 

وخلال عام 2024، سددت مصر ما يقارب 38.7 مليار دولار من الالتزامات المستحقة، بما في ذلك 7 مليارات دولار في الربع الأخير وحده، وفق تصريحات رئيس الوزراء.

الفائض الأولي، في هذا السياق، يمثل أداة حيوية لتخفيف الضغط على الموازنة، فعندما تتجاوز الإيرادات النفقات الجارية، يمكن للحكومة تخصيص هذا الفائض لسداد فوائد الدين أو تقليص رصيده، مما يقلل الحاجة إلى الاقتراض الجديد. 

لكن التحدي الأكبر، يكمن في أن نسبة كبيرة من الإيرادات -تصل إلى 50% وفق تقديرات خبراء- تُستهلك في خدمة الدين، مما يحد من المرونة المالية ويقلص الموارد المتاحة للإنفاق التنموي.

إشادة صندوق النقد الدولي 

صندوق النقد الدولي، في تقريره الأخير عن مصر (ديسمبر 2024)، أشاد بتحقيق الفائض الأولي، متوقعاً أن يصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2025/2026، مع احتمال الارتفاع إلى 5% بحلول 2026/2027، شريطة استمرار الإصلاحات.

 لكنه في ذات الوقت، حذر الصندوق من أن استدامة هذا الفائض تتطلب استراتيجية شاملة لإدارة الدين، تشمل إطالة آجال السداد وخفض تكلفة الاقتراض.

الفائض الأولي.. بين الإصلاحات والضغوط الاجتماعية 

وراء هذا الرقم الواعد، تكمن تحديات عميقة- بحسب آراء الخبراء - أولها هو الاعتماد الكبير على الإيرادات الضريبية، التي قد تثير استياء شعبيا في ظل تراجع القوة الشرائية وارتفاع التضخم، الذي سجل 25.7% في فبراير 2025 وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ثانياً، حجم الديون المستحقة في 2025 و2026، والمقدر بنحو 98.5 مليار دولار، والذي يشكل تهديدا يتطلب تعبئة موارد استثنائية، سواء عبر الفائض الأولي أو جذب استثمارات أجنبية مباشرة.

الفائض الأولي.. هل يقلل الاعتماد على الاقتراض؟ 

مصطفى مدبولي رئيس الوزراء 

تشير خطط الحكومة إلى تكثيف الشراكة مع القطاع الخاص لتقليل الاعتماد على الاقتراض، مع توقعات بجذب استثمارات أجنبية بقيمة 15 مليار دولار خلال 2025، وفق بيانات وزارة التخطيط.

كما تسعى مصر للاستفادة من الفائض الأولي لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي، التي بلغت 46 مليار دولار بنهاية 2024 بعد صفقة رأس الحكمة.

لكن في نفس الوقت، لازالت المخاطر قائمة، فأي صدمات خارجية، كتراجع إيرادات قناة السويس أو ارتفاع أسعار الطاقة، قد تعصف بالمكاسب المحققة من وراء تحقيق الفائض الأولي، لاسيما في ظل ضغوط اجتماعية متزايدة، يتعين على الحكومة تحقيق توازن دقيق بين الانضباط المالي وتلبية احتياجات المواطنين.

ومما شك فيه، يعد الفائض الأولي بقيمة 330 مليار جنيه ليس مجرد رقم، بل مؤشر على قدرة مصر على مواجهة تحدياتها المالية، لكنه يضع الدولة أمام مفترق طرق: هل ستستثمر هذا النجاح لتصحيح مسار الديون وتحقيق نمو مستدام، أم ستبقى رهينة للظروف الخارجية والضغوط الداخلية؟ الإجابة تتوقف على الخطوات المقبلة، التي ستحدد ما إذا كان هذا الفائض بداية لعهد مالي جديد، أم مجرد لحظة تألق عابرة في مسيرة الاقتصاد المصري.