الجمعة 21 مارس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
تحليل

كوريا وقرض الـ58 مليار دولار من صندوق النقد.. نجت من الإفلاس وسطرت ملحمة اقتصادية قوية

الخميس 20/مارس/2025 - 11:26 ص
قصة اقتراض كوريا
قصة اقتراض كوريا الجنوبية من صندوق النقد الدولي

في أواخر عام 1997، واجهت كوريا الجنوبية واحدة من أصعب التحديات الاقتصادية في تاريخها الحديث مع اندلاع الأزمة المالية الآسيوية، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار استثنائي بطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي لإنقاذ كوريا من الإفلاس.

في ذلك الوقت، حصلت كوريا على قرض من صندوق النقد الدولي، بقيمة 58 مليار دولار، لتصبح واحدة من أكبر عمليات الإنقاذ الاقتصادية في التاريخ، لكن، وبعد مرور أكثر من ربع قرن، لم تلجأ كوريا إلى صندوق النقد مرة أخرى، مما يعكس تحولًا كبيرًا في اقتصادها واستقرارها المالي، فكيف حولت كوريا الأزمة إلى نهضة اقتصادية.

أزمة كوريا 1997.. انهيار اقتصادي مفاجئ

أزمة كوريا 1997.. انهيار اقتصادي مفاجئ

في منتصف التسعينيات، كانت كوريا الجنوبية تعتبر نموذجا للنمو الاقتصادي السريع، حيث حققت نموا سنويا يتجاوز 8% خلال ثلاثة عقود، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي ومعهد الاقتصاد الكوري.

ومع ذلك، بدأت علامات الضعف تظهر مع تراكم الديون الخارجية قصيرة الأجل، خاصة بين الشركات الكبرى (الـ تشيبول)، التي استدانت مبالغ هائلة لتمويل مشاريعها، وفي أوائل 1997، كشفت فضيحة "هانبو"، وهي إحدى الشركات الكبرى، عن مشكلات الفساد والهشاشة الاقتصادية داخل كوريا، مما أثار مخاوف المستثمرين الدوليين تجاه الدولة الآسيوية.

ومع تفاقم الأزمة في صيف 1997، انهارت قيمة الوون الكوري، وسجلت الأسواق المالية انخفاضات حادة، بينما ارتفعت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 167%.

وبحلول نوفمبر 1997، كانت احتياطيات العملة الأجنبية الكورية قد تقلصت إلى 20.4 مليار دولار فقط، مما جعل الاقتصاد على شفا حفرة من الانهيار التام.

قرض بـ 58 مليار دولار يصنع بطولة اقتصادية 

أزمة كوريا 1997.. انهيار اقتصادي مفاجئ

في ظل هذا الوضع اليائس، طلبت كوريا مساعدة صندوق النقد الدولي، الذي عقد مفاوضات مكثفة مع الحكومة الكورية في سيول، وفي ديسمبر 1997، أعلن صندوق النقد عن حزمة إنقاذ بقيمة 58 مليار دولار، تضمنت 21 مليار دولار من الصندوق نفسه، بالإضافة إلى مساهمات من البنك الدولي بقيمة 10 مليارات دولار، وساهم البنك الآسيوي للتنمية بـ 4 مليارات دولار، إلى جانب استقبال دعم إضافي من اليابان والولايات المتحدة وغيرهما، للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

هذه الحزمة جاءت مشروطة ببرنامج إصلاح صارم، شمل خفض الإنفاق العام، ورفع أسعار الفائدة، وإصلاح النظام المالي، كما طالب صندوق النقد الدولي بفتح السوق الكورية أمام المنافسة الدولية، مما أثار جدلا كبيرًا داخل البلاد حينها لأن هذه الإجراءات الإصلاحية كانت عقبة كبيرة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية. 

وفي خطاب تلفزيوني شهير، خرج وزير المالية آنذاك، ليم تشانغ-يول، ليعبر عن أسفه للشعب الكوري، قائلاً: "جئت هنا لأطلب الصفح من الشعب الكوري.. من فضلكم، تفهموا ضرورة الألم الاقتصادي الذي لحق بنا.. والذي يجب أن نحمله ونتغلب عليه".

أزمة كوريا 1997.. المواطن بين الألم وإصلاح الاقتصادي

أزمة كوريا 1997.. انهيار اقتصادي مفاجئ

كانت تدابير صندوق النقد قاسية على المواطنين الكوريين، ووفقا لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ارتفع معدل البطالة في كوريا من 2.05% في 1997 إلى 6.96% في 1999، بينما تأثرت 80% من الأسر بخفض دخولها.

الشعب الكوري لم يقف مكتوفي الأيدي، حيث أظهر تضامنا استثنائيا، واطلق حملة "جمع الذهب" الوطنية، حيث تبرع المواطنون بمجوهراتهم للدولة الكورية لتسديد الديون الخارجية.

وعلى الرغم من الصعوبات، ساهمت هذه الإصلاحات في استعادة الثقة في الاقتصاد الكوري، فبحلول عام 1998، بدأ النمو الاقتصادي يعود بمعدل 4.5%، واستعاد الوون الكوري استقراره تدريجيًا، كما أدى فتح الأسواق إلى تعزيز المنافسة وجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية.

الأزمة تتحول إلى نهضة اقتصادية

أزمة كوريا 1997.. انهيار اقتصادي مفاجئ

بعد الأزمة الإقتصادية، ركزت كوريا على بناء احتياطيات عملة قوية وبناء نظام بنكي متين، حيث ارتفعت احتياطيات العملة الأجنبية من 20.4 مليار دولار في 1997 إلى 247.759 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (SDR) في 2014، وفقًا لتقارير OECD.

وجعل هذا التحول الدول الكورية قادرة على تجنب الاقتراض من صندوق النقد الدولي مرة أخرى، حيث أصبح اقتصادها من أكثر الاقتصادات استقرارا في العالم.

كوريا الاقتصاد الـ 14 على مستوى العالم 

أزمة كوريا 1997.. انهيار اقتصادي مفاجئ

وبهذا التحول الضخم في الاقتصاد، تعتبر تجربة كوريا الجنوبية واحدة من الأفضل عبر التاريخ في الإصلاح الاقتصادي، فبالرغم من الألم الذي ترتب على شروط صندوق النقد، فإن الإصلاحات الشاملة التي أجريت، بما في ذلك تحسين الشفافية المالية وتقليص الفساد، ساهمت في تحويل كوريا إلى اقتصاد عالمي قوي. 

اليوم، تعد كوريا الجنوبية الاقتصاد الرابع عشر في العالم، وفقًا لمعهد الاقتصاد الكوري، متفوقة على دول مثل كندا وأستراليا، وهذا إن دل فإنه يدل على أن قصة اقتراض كوريا الجنوبية من صندوق النقد الدولي عام 1997 ليست مجرد حدث اقتصادي، بل رحلة تحول وطني، فمن خلال التضامن الشعبي والإصلاحات الحكومية، تمكنت كوريا من استعادة استقرارها المالي دون الحاجة إلى عودة إلى صندوق النقد، بل وأصبحت واحدة من أفضل 14 اقتصاد في العالم.