الثلاثاء 04 مارس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
تحليل

مصدر للطاقة لمدة 60 ألف عام.. حكاية معدن الثوريوم الذي اكتشفته الصين وأزعج أمريكا

الثلاثاء 04/مارس/2025 - 04:06 م
حكاية معدن الثوريوم
حكاية معدن الثوريوم الذي اكتشفته الصين

في خضم السباق العالمي نحو تأمين مصادر طاقة مستدامة وفعالة، برزت الصين كلاعب رئيسي باكتشافها احتياطيات ضخمة من الثوريوم، وهو معدن مشع يُعتبر بديلاً محتملاً لليورانيوم في المفاعلات النووية.

ويُقدّر العلماء أن هذه الاحتياطيات قد تكفي لتلبية احتياجات الصين من الطاقة لمدة تصل إلى 60 ألف عام، مما قد يُحدث تحولاً جذريًا في موازين القوى الجيوسياسية في قطاع الطاقة العالمي.

مع هذا التحول المحتمل نحو استغلال الثوريوم، قد تتأثر الأسواق العالمية للوقود الأحفوري واليورانيوم، مما يدفع الدول الأخرى إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الطاقوية، وهنا يبرز تساؤل حول موقف الولايات المتحدة: هل ستُبدي واشنطن قلقًا إزاء هذا التطور الذي قد يُعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية؟

الثوريوم.. كنز يغير مستقبل الطاقة العالمية

60 ألف عام.. حكاية معدن الثوريوم الذي اكتشفته الصين وأزعج أمريكا

كشفت دراسة استقصائية حديثة أن الصين تمتلك احتياطات هائلة من الثوريوم، وهو عنصر مشع يتمتع بقدرة استثنائية على توليد الطاقة النظيفة. 

هذا الاكتشاف، الذي يُنظر إليه على أنه أحد أهم التطورات في قطاع الطاقة، قد يمهّد الطريق أمام عصر جديد من الاستقلال في الطاقة، ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بل وربما يلغي الحاجة إليه تمامًا.

ثوريوم الصين.. احتياطيات تفوق التوقعات

لطالما عرفت الصين بأنها تمتلك واحدة من أكبر احتياطيات الثوريوم في العالم، لكن تقريرًا جرى رفع السرية عنه مؤخرًا يكشف أن حجم هذه الاحتياطيات قد يكون أكبر بكثير مما كان متوقعًا، حيث أمه وفقًا لمجلة جيولوجيكال ريفيو الصينية، فإن نفايات التعدين المتراكمة على مدى خمس سنوات فقط في أحد مناجم خام الحديد بمنغوليا الداخلية تحتوي على ما يكفي من الثوريوم لتزويد الولايات المتحدة بالطاقة المنزلية لأكثر من ألف عام.

المعلومات الجديدة تشير إلى أن منجم "بايان أوبو"، أكبر منجم للعناصر الأرضية النادرة في العالم، قد يخفي في أعماقه ما يصل إلى مليون طن من الثوريوم.

وإذا جرى استغلال هذا المورد بالكامل، فقد يكون كافيًا لتوفير الطاقة للصين لمدة 60 ألف عام، وهو رقم مذهل يعكس الإمكانات الهائلة لهذا العنصر في إحداث تحول جذري في مستقبل الطاقة عالمياً.

لماذا يُعد الثوريوم خيارًا استراتيجيًا؟

60 ألف عام.. حكاية معدن الثوريوم الذي اكتشفته الصين وأزعج أمريكا

في الوقت الذي تعتمد فيه معظم المفاعلات النووية على اليورانيوم، يُعد الثوريوم خيارًا أكثر كفاءة وأمانًا للأسباب التالية:

  • إنتاج طاقة أعلى: يمكن للثوريوم توليد طاقة تفوق تلك التي يوفرها اليورانيوم بنحو 200 مرة.
  • مفاعلات أكثر أمانًا: مفاعلات الملح المنصهر التي تعمل بالثوريوم لا يمكن أن تذوب، مما يجعلها أقل عرضة للحوادث النووية.
  • تقليل النفايات المشعة: الثوريوم يولّد نفايات مشعة أقل بكثير من اليورانيوم، ما يقلل المخاطر البيئية طويلة الأمد.
  • عدم الحاجة إلى تبريد بالماء: يمكن تشغيل هذه المفاعلات في بيئات قاحلة دون الحاجة إلى موارد مائية ضخمة.

الصين على أعتاب بناء أول محطة نووية تعمل بالثوريوم

لم يكن هذا الاكتشاف مجرد معلومة علمية مثيرة، بل تبنّته الحكومة الصينية كمشروع استراتيجي، حيث تمت الموافقة على بناء أول محطة طاقة نووية في العالم تعمل بمفاعل الملح المنصهر المعتمد على الثوريوم.

هذا المشروع، الذي يُقام في صحراء جوبي، يُتوقع أن يبدأ بإنتاج 10 ميجاواط من الكهرباء بحلول عام 2029، في خطوة قد تمهد الطريق لتوسيع نطاق استخدام هذا العنصر كمصدر طاقة رئيسي.

مسح يكشف مناطق غنية بالثوريوم

قاد العالم فان هونغهاي، من المختبر الوطني لاستكشاف موارد اليورانيوم والتعدين في بكين، دراسة جيولوجية مكثفة كشفت عن 233 موقعًا غنيًا بالثوريوم في جميع أنحاء الصين.

وتتوزع هذه المناطق على خمسة أحزمة رئيسية تمتد من شينجيانغ الداخلية إلى قوانغدونغ الساحلية، كما أظهر المسح أن العديد من الرواسب الصخرية والحرارية المائية تتداخل مع المعادن الأرضية النادرة، ما يجعل عملية الاستخراج أكثر تعقيدًا لكنها في الوقت ذاته تؤكد وفرة هذا العنصر.

وفي بعض المناطق مثل فوجيان وهاينان، تتركز كميات كبيرة من المونازيت، وهو معدن غني بالثوريوم، في الرمال الساحلية، ما يسهل استخراجه مقارنة بالأنواع الأخرى من الرواسب.

تحديات تواجه استخراج واستخدام الثوريوم

رغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها الثوريوم، فإن استغلاله على نطاق واسع لا يزال يواجه عدة عقبات، أبرزها:

  • التكاليف العالية لاستخلاصه: عملية فصل الثوريوم عن المعادن الأخرى تتطلب كميات هائلة من الأحماض والطاقة، حيث تشير التقديرات إلى أن كل جرام من الثوريوم المنقى يحتاج إلى مئات الأطنان من مياه الصرف.
  • البنية التحتية النووية غير المهيأة: معظم المفاعلات النووية الحالية مصممة للعمل باليورانيوم، ما يستدعي تطوير منشآت جديدة أو تعديل المفاعلات القائمة لاستيعاب الوقود الجديد.

الصين تتوسع في تطبيقات الثوريوم

60 ألف عام.. حكاية معدن الثوريوم الذي اكتشفته الصين وأزعج أمريكا

لا تقتصر طموحات الصين على الاستفادة من الثوريوم في توليد الكهرباء فحسب، بل تسعى إلى توظيفه في مشاريع أكثر طموحًا، تشمل:

  • أول سفينة نووية تجارية تعمل بالثوريوم: أطلقت الصين مشروع "KUN-24AP"، الذي يعد أول تصميم لسفينة حاويات تعمل بالطاقة النووية المعتمدة على الثوريوم.
  • مفاعلات نووية لدعم المستعمرات القمرية: تخطط الصين لاستخدام مفاعلات تعمل بالثوريوم في الفضاء، لتكون مصدرًا للطاقة في القواعد القمرية المستقبلية.

هل يستطيع الثوريوم إنهاء عصر الوقود الأحفوري؟

في الوقت الراهن، لا يزال الفحم يشكّل المصدر الرئيسي للطاقة في الصين، حيث يمثل أكثر من 55% من استهلاك الطاقة في البلاد. لكن التحول إلى الطاقة النووية المعتمدة على الثوريوم يمكن أن يغيّر المعادلة بالكامل، عبر تقليل انبعاثات الكربون، وتعزيز أمن الطاقة، وإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد.

ورغم أن الحجم الدقيق لاحتياطات الثوريوم في الصين لا يزال محاطًا بالسرية، فإن المؤشرات الأولية تؤكد أن هذا العنصر قد يكون مفتاحًا لمستقبل طاقوي أكثر استدامة، فهل ستنجح الصين في استغلال هذا المورد الثمين لإحداث ثورة طاقوية عالمية، أم أن التحديات التقنية ستؤجل هذا الحلم لسنوات قادمة؟.