مشروع التنمية الزراعية بشرق العوينات.. مصر تحقق المستحيل بقلب الصحراء

يبرز مشروع "مستقبل مصر" بشرق العوينات كأحد أعمدة التنمية الزراعية في مصر، حيث يجسد طموح الدولة في تحويل صحرائها الشاسعة إلى أراضٍ خصبة تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وزيادة الصادرات الزراعية.
يقع المشروع في منطقة شرق العوينات بالصحراء الغربية، ويمتد على مساحات ضخمة تتجاوز مئات الآلاف من الأفدنة، مستفيدًا من التقنيات الحديثة والمياه الجوفية.
نستعرض مع قراء بانكير في هذا التقرير، التفاصيل الكاملة لـ مشىروع شرق العوينات، والجدوى الاقتصادية من المشروع، كما سنتعرف على دوره في تعزيز الأمن الغذائي، وزيادة الصادرات الزراعية.
في أواخر التسعينيات حيث بدأ الحلم

انطلق مشروع شرق العوينات في أواخر التسعينيات كجزء من استراتيجية الدولة لتوسيع الرقعة الزراعية، وفي الفترة من 1999 إلى 2012، تم استصلاح 80 ألف فدان في "عوينات 1" باستخدام أنظمة الري المحوري والمياه الجوفية من خزان النوبة الرملي، وتولت الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي، التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، تنفيذ هذه المرحلة.
وشهدت الفترة بين 2014 و2022 تكثيف الجهود مع استصلاح 110 آلاف فدان إضافية في "عوينات 2" و"عوينات 3"، ليصل إجمالي المساحة المستصلحة إلى 190 ألف فدان، وجذبت هذه المرحلة استثمارات خاصة، مثل شركة شرق العوينات للتنمية الزراعية، باستثمارات سعودية، والتي استحوذت على 24 ألف فدان.
الانطلاقة.. تأسيس جهاز مستقبل مصر

في نوفمبر 2022، أُسس جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" بقرار جمهوري، ليصبح المشرف الرئيسي على مشروعات الاستصلاح الكبرى، بما فيها شرق العوينات، ووضع الجهاز خطة طموحة لاستصلاح ملايين الأفدنة بحلول 2027، مع التركيز على المناطق الجنوبية.
في 2023، أعلن الجهاز عن استصلاح 280 ألف فدان في شرق العوينات، مع بدء مشروع "الداخلة - العوينات" بمساحة مستهدفة 660 ألف فدان، وبحلول 2024، وصلت المساحة المستصلحة على مستوى مشروعات الجهاز إلى 800 ألف فدان، منها حصة كبيرة لشرق العوينات.
في 22 مارس الجاري، أعلن وزير الزراعة، علاء فاروق، خلال زيارة تفقدية مع الدكتور بهاء الغنام، مدير جهاز مستقبل مصر، عن استصلاح 200 ألف فدان من إجمالي 650 ألف فدان مستهدفة على طريق شرق العوينات - الداخلة، مما يعكس التزام الدولة بتسريع وتيرة التنفيذ.
مشروع شرق العوينات: التنمية في قلب الصحراء
يقع مشروع مستقبل مصر بشرق العوينات في الجزء الجنوبي الغربي من الصحراء الغربية، شرق جبل العوينات على الحدود مع ليبيا والسودان، على بعد 365 كم جنوب واحة الداخلة، ويستهدف استصلاح 650 ألف فدان على طريق شرق العوينات - الداخلة، حيث تم استصلاح 200 ألف فدان منها حتى مارس 2025.
ويعتمد المشروع على المياه الجوفية من خزان النوبة الرملي باستخدام نظام الري المحوري الحديث الذي يضمن توزيع المياه بكفاءة عالية، ويركز على زراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة والشعير والبطاطس والبصل والتمور، إلى جانب القطن قصير التيلة بأصناف مثل "ليما" و"إيسا" التي تتميز بجودتها العالمية.
ويدعم المشروع بنية تحتية قوية تشمل محور توشكى - شرق العوينات، وهو طريق مزدوج بطول 360 كم وعرض 24 مترا، يربط بين محافظتي أسوان والوادي الجديد، ويضم كوبري بطول 350 مترا فوق ترعة الشيخ زايد الفرعية، بالإضافة إلى طريق الداخلة - العوينات - الفرافرة بطول 655 كم، مما يعزز الربط اللوجستي ويسهل نقل المنتجات الزراعية.
دور مشروع شرق العوينات في تحقيق التنمية الاقتصادية

يُعد مشروع شرق العوينات استثمارًا استراتيجيًا يحقق عوائد اقتصادية كبيرة على النحو التالي:
الإنتاج الزراعي: يُنتج المشروع حاليًا 3 ملايين طن سنويًا من المحاصيل الأساسية، مع توقعات بزيادة الإنتاج إلى 5 ملايين طن بحلول 2027 عند اكتمال المراحل المتبقية، وهذا يعزز الصادرات الزراعية، التي سجلت 7.4 مليارات دولار في 2024.
التكلفة والعائد: تُقدر تكلفة استصلاح الفدان الواحد بحوالي 50-60 ألف جنيه - تشمل الحفر، الري، والبنية التحتية- بينما يحقق الفدان عائدا سنويا يتراوح بين 30-50 ألف جنيه من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح (20 أردبًا/فدان بـ1500 جنيه/أردب)، ومع الدعم الحكومي، يتوقع استرداد التكلفة خلال 3-5 سنوات.
تشغيل العمالة: يوفر المشروع فرص عمل لأكثر من 50 ألف عامل مباشر و100 ألف غير مباشر، مما يقلل البطالة ويحفز الاقتصاد المحلي في الوادي الجديد.
زيادة الصادرات الزراعية: تصدير فائض الإنتاج، مثل البطاطس والتمور، مما يعزز احتياطي العملة الأجنبية، خاصة مع ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات المصرية عالية الجودة.
مشروع شرق العوينات.. كيف يعزز الأمن الغذائي؟

يلعب المشروع دورا محوريا في تحقيق الأمن الغذائي لمصر وذلك من خلال تحقيق الآتي:
- الاكتفاء الذاتي، حيث يساهم إنتاج القمح - حوالي 1.5 مليون طن سنويًا من المنطقة - في تقليص فجوة الاستيراد، التي كانت تُكلف مصر 3-4 مليارات دولار سنويا، وبحلول 2027، قد يرفع المشروع نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح من 50% إلى 70%.
- تنويع المحاصيل، حيث يوفر المشروع زراعة الذرة والبطاطس التي تلبي احتياجات السوق المحلي وتقلل الاعتماد على الواردات، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار العالمية بعد أزمات مثل الحرب الروسية الأوكرانية.
- استخدام تقنيات الري الحديثة يضمن استدامة الموارد المائية، بينما تعمل دراسات وزارة الري على مراقبة الخزان الجوفي لتجنب الاستنزاف.
ومما لا شك فيه أن مشروع مستقبل مصر بشرق العوينات ليس مجرد مشروع زراعي، بل ركيزة اقتصادية واجتماعية تعزز مكانة مصر كدولة قادرة على مواجهة تحديات الأمن الغذائي والتغيرات الاقتصادية العالمية.
بفضل التخطيط المحكم والدقيق من قبل القيادة السياسية، والاستثمار الاستراتيجي، يُتوقع أن يصبح نموذجا عالميا للتنمية المستدامة في المناطق الصحراوية.