العلاقات التجارية بين مصر والمغرب.. هل تنهي المفاوضات الأزمة؟

شهدت العلاقات التجارية بين مصر والمغرب خلال السنوات الأخيرة تطورات متسارعة، وسط مساعٍ حثيثة لتحقيق التوازن في الميزان التجاري بين البلدين، وتشجيع الصادرات المتبادلة.
ورغم عمق العلاقات الاقتصادية المشتركة، لا تزال هناك تحديات تعيق انسيابية التجارة البينية، أبرزها التفاوت في قيمة الصادرات والواردات، والقيود غير الجمركية، والخلافات حول بعض القطاعات، خاصة قطاع السيارات.
ومع تكثيف اللقاءات بين المسؤولين المصريين والمغاربة، يطرح التساؤل: هل بات تحقيق التوازن التجاري أقرب إلى الواقع؟، وهو ما نناقشه في هذا التقرير، من بانكير.
الميزان التجاري بين مصر والمغرب
ويعكس الميزان التجاري بين مصر والمغرب صورة غير متكافئة، حيث تميل الكفة لصالح مصر، وفي عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 1.3 مليار دولار، منها 900 مليون دولار صادرات مصرية إلى المغرب، مقابل واردات مصرية من المغرب بقيمة 400 مليون دولار، مما يعني فائضًا تجاريًا لصالح مصر بحوالي 500 مليون دولار.
وتشمل الصادرات المصرية إلى المغرب المنتجات الكيماوية، والأسمدة، والحديد والصلب، والزجاج، والمنتجات الغذائية، بينما تتنوع الواردات المصرية من المغرب بين المنتجات الزراعية، وقطع غيار السيارات، والمنسوجات، وبعض الصناعات الغذائية.
ورغم هذا الحجم التجاري، تظل هناك تحديات أساسية تتمثل في القيود المفروضة على بعض المنتجات، وتأخر اعتماد شهادات المطابقة، إضافة إلى مطالب مغربية بإعطاء الأولوية لصادراتها إلى السوق المصرية.
أزمة السيارات المغربية نقطة خلاف جوهرية
وبرزت السيارات المغربية كأحد أكثر الملفات الشائكة في العلاقات التجارية بين البلدين، فعلى الرغم من أن المغرب يعد أحد أكبر منتجي السيارات في أفريقيا، حيث تمتلك شركات عالمية مثل "رينو" و"بيجو سيتروين" مصانع ضخمة هناك، إلا أن السوق المصرية لا تزال غير منفتحة بشكل كبير على استيراد السيارات المغربية، ما أثار حفيظة المصدرين المغاربة.
وقد أدى ذلك إلى فرض السلطات المغربية قيود غير رسمية على بعض الصادرات المصرية، حيث أشار أحمد زكي، الأمين العام لشعبة المصدرين ورئيس لجنة الشؤون الأفريقية بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، إلى أن المغرب قام بـ"تعليق دخول البضائع المصرية إلى أسواقه" كرد فعل على عدم استيراد مصر للسيارات المغربية.
في المقابل، يرى الجانب المصري أن سبب عدم استيراد السيارات المغربية يعود إلى عوامل متعددة، أبرزها:
- اختلاف المواصفات: حيث تعتمد السوق المصرية معايير مختلفة عن نظيرتها المغربية في ما يخص المواصفات الفنية للسيارات.
- التكلفة الجمركية: رغم وجود اتفاقية أكادير التي تعفي بعض السلع من الجمارك، إلا أن الإجراءات الجمركية والضريبية ما زالت تشكل عائقًا أمام استيراد السيارات المغربية.
- تفضيلات المستهلك المصري: حيث يميل المستهلكون المصريون إلى السيارات الآسيوية والكورية بشكل أكبر مقارنة بالسيارات الأوروبية المنتجة في المغرب.
وقد دفعت هذه الأزمة الجانبين إلى عقد لقاءات مكثفة في محاولة لتجاوزها، حيث تسعى المغرب إلى تسهيل دخول سياراتها إلى السوق المصرية ضمن إطار اتفاقية أكادير، بينما تبحث مصر عن ضمانات لفتح السوق المغربية أمام مزيد من الصادرات المصرية، بما في ذلك الصناعات الغذائية ومواد البناء.

اتفاقية أكادير بين الطموح والواقع
وتشكل اتفاقية أكادير، الموقعة عام 2004 بين مصر والمغرب وتونس والأردن، إحدى الأدوات التي تهدف إلى تعزيز التجارة الحرة بين الدول الأعضاء، من خلال إلغاء الرسوم الجمركية وتسهيل حركة السلع.
ورغم مرور نحو 20 عامًا على توقيعها، لا تزال هناك عقبات تعترض تحقيق الاستفادة القصوى منها، خاصة بين مصر والمغرب.
ففي حين تطالب المغرب بتفعيل الاتفاقية بشكل يتيح لها تصدير السيارات والصناعات الأخرى إلى مصر، يرى المسؤولون في مصر أن هناك حاجة إلى تحديث اللوائح الفنية ومعايير المطابقة لضمان تنافسية المنتجات في السوق المصرية.
كما أن بعض القطاعات الاقتصادية في مصر تبدي مخاوف من أن يؤدي فتح السوق بشكل غير مدروس إلى الإضرار بالصناعات المحلية، خاصة في قطاع السيارات الذي تسعى مصر إلى تطويره عبر مبادرات مثل "استراتيجية تصنيع السيارات الوطنية".
ومع ذلك، يظل الاتفاق بين الجانبين ممكنًا، خاصة بعد اللقاءات الأخيرة التي أسفرت عن تفاهمات بشأن تسهيل الإفراج عن بعض البضائع المصرية المحتجزة في الموانئ المغربية، وهو مؤشر على رغبة البلدين في تجاوز العقبات التجارية.
المحادثات المصرية المغربية.. هل تمهد الطريق لحل الأزمة؟
وفي ظل هذه التحديات، شهدت الأسابيع الماضية نشاطًا دبلوماسيًا مكثفًا بين مسؤولي البلدين، بهدف إزالة العقبات التجارية وتعزيز التعاون الاقتصادي، فقد التقى وزير التجارة حسن الخطيب مع نظيره المغربي عمر حجيرة في الرباط، حيث أكدا التزامهما بحل الخلافات التجارية وتعزيز العلاقات الاقتصادية على أسس أكثر توازنًا.
كما زار وفد مصري رفيع المستوى المغرب لمناقشة آليات تسهيل التبادل التجاري، وضم الوفد مسؤولين حكوميين ورجال أعمال وخبراء في مجالات التجارة والصناعة، وأسفرت اللقاءات عن مجموعة من التفاهمات الأولية، منها:
الاتفاق على تخفيف القيود المفروضة على المنتجات الغذائية المصرية، والتي كانت تواجه صعوبات في الدخول إلى السوق المغربية.
بحث إمكانية اعتماد السيارات المغربية في السوق المصرية تدريجيًا، وفقًا لمواصفات يتم الاتفاق عليها بين الجانبين.
تفعيل أكبر لاتفاقية أكادير من خلال تشكيل لجان مشتركة لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاقية وحل المشكلات العالقة.
مستقبل التبادل التجاري بين مصر والمغرب
ومع هذه التحركات الدبلوماسية والتجارية، يبرز تساؤل رئيسي: هل ستتمكن مصر والمغرب من تحقيق توازن في الميزان التجاري بينهما خلال السنوات المقبلة؟.
والإجابة تعتمد على مدى نجاح الطرفين في تجاوز العقبات القائمة، خاصة فيما يتعلق بالسماح بدخول السيارات المغربية إلى السوق المصرية، وفي المقابل، فتح السوق المغربية أمام مزيد من الصادرات المصرية.
ورغم التحديات التي تواجه التجارة بين مصر والمغرب، فإن المؤشرات الحالية تشير إلى تحسن تدريجي في العلاقات الاقتصادية، مدفوعًا بالرغبة المشتركة في تحقيق التكامل الاقتصادي.
وإذا نجحت جهود المسؤولين في تذليل العقبات أمام حركة السلع، فقد يشهد الميزان التجاري تقاربًا أكبر خلال السنوات المقبلة، مما يحقق مكاسب اقتصادية لكلا البلدين، ويعزز التكامل التجاري الإقليمي في منطقة شمال أفريقيا.