هل "التسعيرة الجبرية" حل سحري لمواجهة جشع التجار وغلاء الأسعار؟
في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات التضخم، باتت الأسواق المحلية تعاني من اختلالات واضحة نتيجة سلوكيات بعض التجار، التي تتمثل في رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه لتحقيق أرباح غير مبررة.
وفي مواجهة هذه الظاهرة، تظهر التسعيرة الجبرية كواحدة من أبرز الأدوات الاقتصادية التي تعتمدها الحكومات لضبط الأسواق، والحفاظ على حقوق المستهلكين، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ما هي التسعيرة الجبرية؟
التسعيرة الجبرية عبارة عن سياسة اقتصادية تُلزم التجار والبائعين بتحديد أسعار ثابتة أو سقف سعري محدد لسلع وخدمات معينة، و تهدف هذه الآلية إلى كبح الاستغلال والاحتكار، وضمان وصول السلع الأساسية لجميع فئات المجتمع بأسعار تتناسب مع إمكانياتهم، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
ولكن هل تصلح “التسعيرة الجبرية” في الاقتصاد الحر المنفتح؟ لاسيما في ظل خروج الدولة من الاقتصاد تنفيذا لسياسات صندوق النقد الدولي.. هذا ما سنتعرف عليه من خبراء الاقتصاد في هذا التقرير.
خبراء اقتصاد يحذرون من العودة للتسعيرة الجبرية
أثار خبراء الاقتصاد جدلاً حول فكرة إعادة تطبيق التسعيرة الجبرية كحل لضبط الأسعار ومواجهة جشع التجار، حيث اتفقوا على أن هذه الآلية لم تعد مناسبة للوضع الاقتصادي القائم، الذي يعتمد على مبادئ السوق الحر وآليات العرض والطلب.
وأكد الخبراء أن الدولة تتحول تدريجياً لدور المنظم والمراقب، مع تسليم أدوات الإنتاج للقطاع الخاص، مشددين على أهمية تقوية الأجهزة الرقابية وتعديل القوانين الاقتصادية لضمان حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أن تطبيق التسعيرة الجبرية لن يكون حلاً لمواجهة جشع التجار أو لضبط الأسعار، مشيراً إلى أن الاقتصاد المصري قائم حالياً على آليات السوق الحر، حيث تتحكم قوانين العرض والطلب في تحديد الأسعار.
وأوضح البهواشي، في تصريحات خاصة لـ “بانكير”، أن الدولة لن تتمكن من تثبيت الأسعار أو فرضها جبرياً، لعدم وجود معايير واضحة لتحقيق ذلك، مضيفا: "على أي أساس سيتم تثبيت الأسعار؟ على سبيل المثال، أسعار الخضار والفاكهة، هل سيتم تثبيتها بناءً على تكلفتها لدى الفلاح؟ أم على تكلفة النقل التي تختلف من منطقة لأخرى؟ أم على أسعار الأسمدة المستخدمة سواء المحلية أو المستوردة؟ أو ربما على تكلفة الطاقة المستخدمة في الزراعة؟ هناك العديد من العوامل المتغيرة التي تجعل تطبيق فكرة التسعيرة الجبرية أمراً معقداً للغاية".
التسعيرة الجبرية أضرارها أكثر من نفعها
وتابع أن التسعيرة الجبرية قد تضر أكثر مما تنفع، حيث لن تكون قادرة على تحقيق عدالة في تحديد أسعار السلع والخدمات، لافتاً إلى أن الأسعار حالياً تعاني من حالة تذبذب بين الصعود والهبوط، نتيجة قلة المعروض وارتفاع أسعار المدخلات.
وشدد البهواشي على أن فرض تسعيرة جبرية سيكون غير مُرضٍ وغير عادل لجميع الأطراف في السوق، مؤكداً أن الحلول تكمن في زيادة المعروض، وتقليل تكلفة الإنتاج، ومراقبة الأسواق بطرق فعالة تضمن تحقيق التوازن دون المساس بمبادئ السوق الحر.
التسعيرة الجبرية “اقتصاد فاشل”
الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، لم يختلف كثيرا عما أكده “البهواشي”، حيث رفض بشكل قاطع تطبيق التسعيرة الجبرية ووصفها بـ الاقتصاد الفاشل.
وأكد الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ بانكير، على أن فكرة التسعيرة الجبرية غير صحية بالنسبة للوضع الاقتصادي الحالي، مشيراً إلى أن هذا النهج ثبت فشله في الماضي، خاصة عندما كان يُطبق في ظل الاقتصاد الاشتراكي.
وقال عامر: "أنا أرفض العودة إلى أي نظام اقتصادي ثبت فشله من قبل، فالتسعيرة الجبرية كانت جزءاً من الاقتصاد الاشتراكي الذي فشل، أما الآن فنحن نعمل في إطار سوق حر يعتمد على آليات العرض والطلب".
تقوية الأجهزة الرقابية
وأضاف أن الدولة تسعى حالياً للخروج من دائرة الاقتصاد المباشر، مسلمةً دورها للقطاع الخاص، وهذا يتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي الذي يشدد على ضرورة أن تقوم حرية التجارة والصناعة والاستثمار على سوق يخضع لمبادئ العرض والطلب.
وأشار إلى أهمية دور الدولة في تقوية الأجهزة الرقابية لضمان السيطرة على الأسواق، قائلاً: "تعزيز دور الأجهزة الرقابية سيساهم في حماية المستهلك ومنع التلاعب بالأسعار، كما سيحد من الممارسات الاحتكارية التي تضر بالسوق".
ضرورة تعديل قانون الممارسات الاحتكارية
وطالب عامر بتعديل قانون منع الممارسات الاحتكارية، موضحاً أن القانون الحالي تم إعداده في الماضي بما يخدم مصالح رجال الأعمال أكثر من المستهلك. وأكد ضرورة تعديل القانون ليصب في مصلحة المستهلك، مما يساعد على زيادة المعروض وبالتالي خفض الأسعار.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن التسعيرة الجبرية قد تكون نجحت في الماضي عندما كانت الدولة تسيطر على جميع أدوات الإنتاج. أما الآن، فقد تغير الوضع مع تحول الدولة لدور المنظم والمراقب، بعدما تم نقل ملكية أدوات الإنتاج إلى القطاع الخاص.