ماراثون التضخم .. بنوك عديدة استسلمت قبل خط النهاية
حتى الآن نجح جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في حشد زملائه لإظهار جبهة موحدة عند نقاط التحول الرئيسة في السياسة النقدية، لكن وظيفته أصبحت أكثر تعقيدا.
رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل ربع نقطة يوم الأربعاء فيما كان مأمولا أن يكون آخر رفع لسعر الفائدة في هذه الدورة. سيؤدي ذلك إلى دفع هدف أموال الاحتياطي الفيدرالي القياسي إلى نطاق يراوح بين 5 و5.25 في المائة.
تباطأ الاقتصاد، لكن التضخم تسارع في الربع الأول. قفز مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي -مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساس- إلى معدل سنوي 4.9 في المائة في هذا الربع، وهو الأعلى ارتفاعا في غضون عام. هذا الاتجاه الخاطئ لا شك أنه سيثير جدلا حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يشير إلى نهاية قاطعة لرفع أسعار الفائدة في ختام اجتماع أيار (مايو).
يرى البنك المركزي الأمريكي أن مكافحة التضخم عبارة عن سباق ماراثون، وليست عدوا قصيرا. التاريخ مليء بالبنوك المركزية التي استسلمت قبل أن تعبر خط النهاية. وكانت النتيجة دائما نوبة تضخم أكثر ضررا أو أسوأ تضخما مصحوبا بالركود.
كان الاحتياطي الفيدرالي يأمل في إبقاء شروط الائتمان مشددة حتى بعد أن توقف مؤقتا عن الزيادات. وكان متوقعا أن ترتفع أسعار الفائدة المعدلة حسب التضخم مع تباطؤ التضخم. تشير بيانات التضخم للربع الأول إلى أن التضخم أصبح ثابتا، بالتالي يمكن أن يتحدى تلك الاستراتيجية.
ما يزيد الأمور تعقيدا هو تشديد الائتمان بسبب الاضطرابات الأخيرة في الأسواق المالية. لا أحد يعرف بالضبط إلى أي مدى سيتم تشديد شروط الائتمان. تشير التقديرات إلى زيادة تراوح من 0.5 إلى 1.5 نقطة مئوية في أسعار الفائدة قصيرة الأجل. هذا قبل أن تتزايد المشكلات في سوق المكاتب، التي يمكن أن يزيد الطين بلة. يتم الآن تعديل عقود إيجار المكاتب، والوظائف الشاغرة الآخذة في الازدياد. هذا من شأنه أن يبقي البنوك، التي تشكل قدرا غير متناسب من قروض العقارات التجارية، في موقف دفاعي.
من المقرر صدور نتائج استطلاع الاحتياطي الفيدرالي الخاص بكبار مسؤولي القروض، عن الربع الأول، في الثامن من أيار (مايو). سيكون لدى القيادة فكرة عن اتجاه تلك النتائج لكن ليس التقرير الكامل. كشف الاستطلاع نفسه في كانون الثاني (يناير) أن 45 في المائة من البنوك شددت بالفعل معايير الإقراض للقروض التجارية والصناعية. وكانت 69 في المائة من قروض البناء وتطوير الأراضي مقيدا.
الشركات التي يقل عدد موظفيها عن 250 موظفا، التي تعد العمود الفقري لسوق العمل، معرضة خصوصا لتلك التحولات. شكلت تلك الشركات نسبة قياسية بلغت 70.9 في المائة من فرص الوظائف الشاغرة في نهاية كانون الثاني (يناير)، لكنها فقدت قوتها منذ ذلك الحين. تراجعت الوظائف الشاغرة بين أصغر الشركات -أقل من عشرة موظفين- في آذار (مارس)، بينما ارتفعت عمليات تسريح العاملين وإنهاء الخدمة إلى أعلى وتيرة لها منذ بداية الجائحة.
بدأت هذه المخاوف في إحداث انقسام في صفوف الاحتياطي الفيدرالي. تبنى الموظفون "ركودا معتدلا" كالسيناريو الأساس في آذار (مارس)، بينما حددت القيادة ارتفاعا في البطالة يتوافق مع الركود.
حتى إن بعضهم أعرب عن وجهات نظر مفادها أن التوقف المؤقت عن رفع أسعار الفائدة، بدلا من زيادتها في أيار (مايو) سيكون أمرا حكيما، نظرا للحاجة إلى تقييم تأثير التشديد الجاري بالفعل. يمكن لمثل هذا التشديد أن يرفع كثيرا من العبء الثقيل عن الاحتياطي الفيدرالي عندما يتعلق الأمر بتهدئة الاقتصاد.
قاد أوستن جولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، المجموعة في التعبير عن القلق وسيستحق المتابعة لمعرفة ما إذا كان سيعارض على هذه الأسس. نادرا ما يوجد المعارض من فراغ، عادة ما يمثل اثنين أو أكثر.
كان هذا قبل أن يصل الاحتياطي الفيدرالي إلى أصعب أهدافه، عندما ترتفع البطالة وتشتد ردة الفعل العنيفة لعبور خط النهاية فيما يتعلق بالتضخم. وحقيقة أننا في عشية عام انتخابي لن تؤدي إلا إلى تفاقم هذه المشاعر وسيكون السياسيون حريصين على العثور على كبش فداء.
يتناسى معظمهم أنه حتى بول فولكر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، الذي تمت الإشادة به لعزمه الصلب في محاربة التضخم، أغمض عينيه عندما أصبحت الأمور صعبة. لقد عكس مساره وخفض أسعار الفائدة في منتصف عام 1980 ـ كان عاما انتخابيا. لم تستمر التخفيضات طويلا. في غضون أقل من ستة أشهر قفزت أسعار الفائدة من مستوى منخفض بلغ 9 إلى 19 في المائة. ودفع ذلك الاقتصاد إلى ركوده الثاني في أقل من عام.
كان باول يحاول تجنب هذه النتيجة عبر التعامل مع بعض الألم اليوم ليتجنب ارتفاع التضخم وركود أعمق في المستقبل. هذا عظيم من الناحية النظرية، لكن من الصعب تنفيذه. حتى "فترات الركود المعتدلة"، مثل تلك التي شهدناها في 1990-1991 و2001، ثبت أن من الصعب الهروب منها.
لقد سمعت أن الناس يستخدمون مصطلح "ركود متوسط الحدة" عند مناقشة ما يمكن أن يحدث، كما لو أن فقدان الوظائف يشبه التنزه في الحديقة. الأمر ليس كذلك.
من المحتمل أن تتعمق الانقسامات داخل الاحتياطي الفيدرالي مع تباطؤ الاقتصاد. وأود أن أصدق أن الهبوط الناعم لا يزال ممكنا. المرة الوحيدة التي حقق فيها الاحتياطي الفيدرالي هذه النتيجة كانت عام 1994، عندما كان المسؤولون يستبقون ما تبين أنه تضخم وليد. هذه المرة التضخم حقيقي.