عمرو عامر يكتب.. خميس العهد كان خميسا مليئا بالإثارة والمفاجآت المدوية
ترقب ..توقعات.. اجتهادات.. شائعات.. تحليلات واهية.. خيالات.. وفي المنتصف كادت تضيع الحقيقة وتغيب الشمس خلف حجب الأرقام والمؤشرات،. لا جديد قادم.. ولا قادم ينتظر فقط صورة قاتمة وجدت طريقها مع تأخر ظهور الدخان الأبيض من مبني المركزي المصري، حيث كانت المفاجآت صاخبة.. ثمة أمر يحدث لم تتضح معالمه بعد تسريبات هنا وهناك تجعل الصورة شبه صورة، تمر الساعات ثقيلة لا أحد لديه جزم لما سيحدث هل يخرج من مبني المركزي طوفان نوح أم عصا موسى.. هل يضرب حجرا في أسواق تغلي أم بردا وسلاما على الصابرين..
بمجرد إعلان الفدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة مساء أمس الأربعاء وتبعته بنوك الخليج المرتبطة به ماليا إلى حد ما، ثم كانت مفاجأة صندوق النقد الدولي الحزينة لتونس بإرجاء مفاوضات قرضها لحين اتمام شروط الصندوق، انطلقت أبواق الشر والسواد تبشر بخراب البلاد وفقر العباد وأن ثمة قرارات ستخرج عن اجتماعات "طوارئ" لقيادات المركزي ، وأن البنك سوف يرفع يده كاملا عن الجنيه ويعومه حتي الغرق وبعدها سوف تشتعل الميادين غضبا من اشتعال الأسعار وخروج التضخم عن السيطرة، كثيرين اعتقدوا أن البلاد على وشك السقوط في أتون صراع مع الفقر والغلاء، بينما تمنى آخرون أن تكون القاضية لوطن رفض التآمر والخيانة يوما.
كل المؤشرات كانت تقول إن الأمور تتجه إلى المربع صفر، لكن من كان قريباً شهد كثيرا، وادعي أني كنت قريباً من مطبخ الأرقام التي لا تكذب، وكنت أعلم أن الخير قادم وأن مصر نهضت من جديد، وأن ملحمة داخل جدران المركز ي العتيق تدور منذ شهور طويلة مع اندلاع الصراع في الحديقة الخلفية للروس، ليال وأيام طويلة كان قادة المركزي يسهرون فيها يوصلون الليل بالنهار للتعامل مع التحديات وما أكثرها.. رجال محترفون في عملهم كلهم ثقة في قدرات بلادهم، روضوا الدولار في الغرف المغلقة، خلقوا الحلول، كسروا عنق الازمة، وها هي الأرقام تكلل عرق الرجال.
بعد طول انتظار أطلق المركزي مفاجآته في وجه الجميع، الأرقام تقول إن معجزة حدثت فمصر تصدرت خلال 2022 عام الرمادة قائمة الدول الناشئة الجاذبة للاستثمارات، وأن بيع الأصول للمستثمرين الخليجيين ساهم في جلب المزيد من رؤوس الأموال للسوق المصرية والتي تجاوزت الـ 4 مليارات دولار، وتعكس الإصلاحات الناجحة والمستمرة على الصعيد الاقتصادي والاستقرار السياسي في البلاد، وتهيء الأسواق لجذب مزيد من الاستثمارات سواء الخليجية أو الأجنبية بصفة عامة، كما يعد دليلًا على نظرة المستثمرين والمؤسسات الأجنبية الايجابية طويلة المدى للسوق. . هكذا قال المركزي.
وبحسب المركزي لعب صندوق مصر السيادي دورًا حيويًا في استقطاب الصناديق العربية، إذ نجح في جذب استثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار من الصناديق السيادية العربية خلال 2022، بقطاعات الهيدروجين الأخضر، السياحة، الاستثمار العقاري، تطوير الاثار، الصناعة، الخدمات المالية، التحول الرقمي، والتعليم... هل تتذكرون ما قال أهل الشر حين أسست مصر صندوقها السيادي ورموه بهتانا بكل التهم.
ماتزال الأرقام تكشف سرها وأكدت أن الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية واصل ارتفاعه للشهر الثالث على التوالي، على الرغم من سداد مبلغ 1.5 مليار دولار مدفوعات مرتبطة بالمديونية الخارجية للدولة وارتفع لحاجز 33.400 مليار دولار .
كما ارتفعت قيمة الذهب المدرج باحتياطي النقد الأجنبي إلى 7.078 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2022، مقابل 6.612 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضي، وسجلت قيمة العملات الأجنبية المدرجة في الاحتياطي النقدي نحو 26.444 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي وفق بيان المركزي.
رغم كل الإنجازات في الأعلى إلا أن ثمة لغز يبقي مثيرا للاعجاب ولقدرة المصريين علي ابهار الآخرين وهي قدرة البنك المركزي في تدبير سيولة دولارية تزيد عن 5.3 مليار دولار من شهر نوفمبر حتى منتصف ديسمبر.، وهو إنجاز ضد الطبيعة وضد المنطق وضد مجريات الأمور..كيف لبنك تعاني لديه الأسواق من أزمة دولار طاحنة أن يفعلها وأين ومتى..
الأهم مما كشفته الأرقام اليوم هو تعريتها لقوى الظلام والخراب والبوم والمتربحين، اليوم هزمتهم مصر ثانية وستهزمهم دوما.. اليوم أثبتت فيه مصر أنها دولة عميقة وخبيرة ومحترفة، لا تخشى المستحيل ولكن تقهره.