كيف ظهرت البنوك وماهو أقدم بنك عرفه العالم
كثيرا مايدفعنا فضولنا لمعرفة بدايات الأشياء وتراودنا أفكارنا إلى البحث عن أصل الحكاية، فهل خطر بذهنك ذات مرة فكرة كيف ومتى ظهرت البنوك؟ وكيف أصبح القطاع المصرفي قطاع أساسي في اقتصاد أي دولة ؟ وماهو أقدم بنك عرفه العالم ولايزال موجودا حتى الآن لنبحث معا في تلك السطور عن إجابات لتلك الأسئلة ونعرف معا أصل الحكاية.
ظهور النقود كان سببا رئيسيا في نشأة البنوك
يؤكد لنا التاريخ أن ظهور النقود كان سببا رئيسيا في نشأة البنوك والتي أصبحت أحد الأدوات الرئيسية في النظم الاقتصادية في العصر الحديث. قديما عندما كان يحتاج الإنسان لسلعة معينة، كان يأخذها من شخص آخر مقابل أن يعطيه سلعة أخرى بدلا منها وهذا ما عرف حينها بـ (نظام المقايضة)، وبمرور الوقت أصبح هذا النظام لا يصلح للبشرية حيث أنه قد يحتاج شخص إلى سلعة معينة في حين أنه لا تتوفر عند الطرف الآخر سلعة يقايض بها .
عندها اتفق الاقتصاديون على اختيار نظام آخر لتبادل السلع، وكان الاتفاق على اختيار سلعة معينة في كل مجتمع تكون متاحة لجميع الأفراد وتستخدم كمعيار لباقي السلع سميت باسم (نقود المحاسبة)؛ ومع مرور الزمن وارتباط المجتمعات ببعضها البعض حاول الإنسان أن يطور نقود المحاسبة بحيث تصبح أسهل في التعامل، فلجأ إلى المعادن المختلفة ومن معدن إلى معدن حتى وصل إلى أغلى هذه المعادن وهو (الذهب)؛ وذلك لأن قيمته عالية وثابتة عن أي عملة يمكن المقايضة بها .
وكان العمال الذين يعملون في صناعة النقود يطلق عليهم اسم "الصيارفة"، وتمثلت أدواتهم التي كانوا يعملون عليها في "طاولة" توضع عليها النقود التي يتم تصنيعها وهذه الطاولة كانت تسمى (بانكو) بالإيطالية وهي ما طورت بعد ذلك لتصبح "بنك"، لتتحول بعدها الطاولة إلى قلاع اقتصادية يتم فيها حفظ الأموال واستثمارها وأنشطة تقوم عليها اقتصاديات دول .
بداية الحكاية ...
عندما أصبح الذهب عملة رسمية وازداد النشاط التجاري وبدأت الثروات تتراكم في أيدي الأمراء والنبلاء والتجار، أصبحت عملية حفظها ونقلها غاية في الخطورة؛ بسبب الحروب المستمرة بين النبلاء، صعوبة المواصلات، وانتشار قطاع الطرق، مما دفعهم للبحث عن مكان آمن لحفظ أموالهم فيه، وكان أنسب الأماكن التي يمكن أن تحفظ فيها هذه النقود في تلك الفترة هي الأماكن التي يعمل بها الصيارفة، مقابل الحصول على أجر بسيط لتقديمهم لهذه الخدمة.
واعتبر الصيارفة أن هذه النقود تمثل عبئًا عليهم، لكنهم استعملوا عقولهم ووجدوا أنه لا أحد من الأغنياء كان يطلب أمواله التي كانت تحفظ لديهم، بل كانوا يضيفون عليها ومع مرور الوقت والتجربة أصبح لدى الصيارفة الخبرة والمعرفة عن مطالب الأمراء والنبلاء من هذه النقود في السنة ورأوا أن كل المبالغ التي يطلبها الأمراء والنبلاء في السنة لا تزيد عن 10% من الأموال المحفوظة.
عندها بدأ الصيارفة يستخدمون ذكائهم وقرروا أن يستفيدوا من الأموال المخزنة، وبدأوا في إقراض الـ 90% من النقود (الذهب) الذي كان بحوزتهم والذي لم يحتاجه أصحابه إلى أشخاص آخرين بشرط أن يردوه إلى الصيارفة بعد فترة محددة مقابل فائدة معينة (جزء من المال) يأخذه الصيارفة، وبدأت الأموال تدخل جيوب الصيارفة من لا شيء بدون عمل وبدون أن يكون لديهم رأس مال.
المرحلة الثانية لنشأة البنوك
اتجه الصيارفة إلى فتح أماكن لحفظ أموال المودعين من الأمراء والنبلاء وكبار التجار، وأطلقوا عليها اسم (البنك) نسبة إلى (بانكو) وهي "الطاولة" التي كانوا يقفون عليها فأصبحت البنوك تسمى بأسماء أصحاب هذه الطاولات .
واشتهر الصيارفة وأصبحت فكرة خروج عملات الذهب من عندهم تصيبهم بالفزع والذهول؛ فاخترعوا فكرة (أمن الدفع)، والتي تعني أنه إذا قام أحد أصحاب الودائع بشراء سلعة معينة فبدلا من أن يذهب للصيارفة ويأخذ منهم نقود يعطيها للتاجر ويسدد مديونياته مما يعرضه للخطر في نقل أمواله.
اقترح الصيارفة على المودع أنه يمكن أن يصدر أمر دفع للبنك مباشرة يكلفه بدفع مبالغ معينة للتجار، وهذا ما حدث وهكذا فعل التجار أيضا فبدلا من أن يذهبوا إلى الصيارفة لصرف المال بدأوا بتظهير (أمر الدفع) وهو كتابة اسم المورد عليه من الخلف لكي يذهب إلى الصيارفة ويكون لديه الحق في صرف هذا المبلغ المكتوب على أمر الدفع وبهذا بدأت أوراق الدفع تتحرك في السوق وأصبحت العملات الذهبية حبيسة في الأدراج.
المرحلة الثالثة ...
ذهب تفكير الصيارفة إلى مدىً أوسع قليلا، فبدأوا بالتفكير في كيفية جذب عدد أكبر من المودعين للعملات الذهبية؟ ومن أجل تشجيع الناس قام كل بنك بإصدار عدد من الشهادات كل منها له قيمة معينة مثلا خمسة أو عشرة جنيهات ذهبية، وكانت هذه الشهادة بمثابة تعهد من البنك لدفع مبلغ من العملات لمن يحمل هذه الشهادة؛ التي كانت تعرف حينها بـ ( بنك/ نوتة ) التي انتهت عند العرب بكلمة (بنكنوت) فالاحتفاظ بورقة أسهل بكثير من الاحتفاظ بالذهب حتى أصبحت التعاملات جميعها بورقة "البنكنوت"، فبدأ التعامل بها على أنها عملة وهي في الأساس تعهد بنكي وازدادت التطورات لتنتقل البنوك من إقراض الأفراد إلى إقراض الحكومات والدول وتصبح جزء أساسي من الاقتصاد العالمي .
وانتقلت البنوك بعدها من مجرد أماكن لحفظ أموال الأثرياء إلى مراكز تجارية، لكل محاور النشاط التجاري لدرجة أن النظام المصرفي أصبح شبكة لا يمكن لأي تاجر الهروب منها، وبدأت البنوك إصدار شيكات للتسهيل على المودعين، وهذه الشيكات مع البنكنوت كونوا منظومة ورقية أمنتهم تماما من حاجة المودعين إلى الذهب .
أعلنت البنوك عن منح الفوائد لمن يودع لديها أموال لمدة معينة مما جعلهم يكونون شريحة جديدة من العملاء وتزيد أرباحهم، حيث أن الفرق بين فائدة الوديعة و فائدة القرض هو ربح البنك .
أقدم بنك لازال قائماً حتى الآن " Banca Monte dei Paschi di Siena" تاريخ التأسيس: 4 مارس، 1472 . المكان : سيينا، إيطاليا.
عرف أيضًا باسم BMPS ، وهو أقدم بنك لازال على قيد الحياة في العالم، تأسس في عام 1472 بأمر من محكمة جمهورية سيينا باسم Monte di Pietà ويعمل بشكل مستمر منذ ذلك الحين. خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وبعد توحيد إيطاليا ، وسع البنك عملياته في جميع أنحاء إيطاليا وقدم أول قروض الرهن العقاري للإيطاليين. اليوم، يعد BMPS رابع أكبر بنك تجاري في إيطاليا .