انخفاض أسعار الحديد.. كيف تؤثر خفض الفائدة على انتعاش سوق العقارات في مصر؟

عاد الحديث مجددا حول مستقبل السوق العقارية في مصر، لا سيما بعد التحرك الجريء الذي اتخذه البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات، ذلك القرار، الذي يحمل بين طياته أبعادا اقتصادية متعددة، اعتبره مطورون عقاريون نقطة تحول في مسار التمويل العقاري وقدرته على استعادة حيويته من جديد.
هذا التخفيض في الفائدة، الذي جاء بواقع 225 نقطة أساس، لا يُعد فقط خطوة لمواجهة الركود في سوق العقارات، بل محاولة لاستعادة التوازن بين تكلفة البناء المرتفعة وقدرة العميل على الشراء، وسط بيئة تشهد ضغوطًا حادة في أسعار المواد الخام، خاصة الحديد، وارتفاع أسعار الوقود.
قرار خفض الفائدة، الذي طال انتظاره، يعد خطوة إصلاحية جريئة من شأنها فتح المجال أمام الشركات العقارية لبحث بدائل تمويل أقل تكلفة، وتوسيع نطاق مشروعاتها، واستهداف شرائح أوسع من العملاء، خاصة في مشروعات الإسكان المتوسط.
أول ثمار خفض الفائدة: انخفاض أسعار الحديد

بالتزامن مع قرار خفض الفائدة، سجلت سوق مواد البناء انخفاضا ملحوظا في أسعار الحديد لليوم الثاني على التوالي، وهو ما قد يساهم في تخفيف جزئي لأعباء شركات المقاولات.
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة اليوم الأحد 20 أبريل 2025، انخفض متوسط سعر طن الحديد الاستثماري بمقدار 230 جنيهًا، ليسجل 37,536 جنيهًا، كما تراجع سعر طن حديد عز بقيمة 188 جنيهًا، ليصل إلى 39,533 جنيهًا، في إشارة إلى اتجاه هبوطي قد يعيد بعض التوازن في تكلفة الإنشاءات خلال الفترة المقبلة.
ويشير هذا الانخفاض في أسعار الحديد إلى إنفراجة في السوق العقاري، الذي يعد الحديد أحد المكونات الرئيسية به، حيث من المتوقع انخفاض أسعار العقارات في مصر خلال الأشهر المقبلة، بالإضافة إلى وجود مرونة أكثر في برامج التمويل العقاري التي تصدرها البنوك المصرية.
خبراء: خفض الفائدة ضرورة عاجلة

في أول تعليق له عقب قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة بنسبة 2.25%، اعتبر المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري ووكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن هذه الخطوة كانت منتظرة منذ فترة طويلة، وجاءت في توقيت حرج يشهد ارتفاعا ملحوظا في تكاليف تنفيذ المشروعات العقارية، خاصة مع الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، وعلى رأسها السولار، والذي يمثل أحد العناصر الأساسية في معادلة تكلفة البناء والتشغيل والنقل.
وأكد شكري، في تصريحات إعلامية، أن السوق العقارية في مصر تحتاج بشكل فعلي إلى خفض إضافي في أسعار الفائدة، لا يقل عن 5% إلى 6% خلال الفترة المقبلة، حتى يمكن تحريك الطلب وتحقيق التوازن بين تكلفة التنفيذ من جهة، والقدرة الشرائية للمواطنين من جهة أخرى.
وأوضح رئيس غرفة التطوير العقاري، أن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة يضغط على هامش الربح لدى الشركات، ويقلل من قدرة العملاء على الاستفادة من آليات التمويل العقاري، خاصة في ظل غياب برامج تمويل كافية تلائم شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة.
وأشار إلى أن غالبية المطورين باتوا مضطرين للجوء إلى آليات البيع بالتقسيط طويل الأجل، وتخفيض مقدمات التعاقد ومد فترات السداد إلى أكثر من 10 سنوات، وهو ما يحملهم أعباء تمويلية ضخمة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكدا أن أي تحرك في اتجاه خفض الفائدة يدعم قدرة الشركات على الاستمرار في تنفيذ مشروعاتها وفق الجداول الزمنية المحددة، ويحسن من مستوى السيولة داخل السوق.
وأضاف رئيس غرفة التطوير العقاري أن السوق حاليا في أمس الحاجة إلى تحفيزات إضافية، سواء على مستوى السياسات التمويلية أو دعم مبادرات الإسكان، خصوصًا في ظل الضغوط المتزايدة الناتجة عن تقلبات أسعار المواد الخام وأجور العمالة ونفقات التشغيل، معتبرا أن خطوة خفض الفائدة الأخيرة تعد بداية جيدة، لكنها تحتاج إلى استكمال في ظل البيئة التضخمية الراهنة.
ياسين منصور: نقطة انطلاق جديدة

قال رجل الأعمال ياسين منصور، إن خفض الفائدة يمثل متنفسا استراتيجيا للقطاع العقاري، لكونه يعتمد على آليات بيع طويلة الأجل، واصفا القرار بأنه خطوة جريئة في توقيت حساس، متوقعًا أن تتراجع الفائدة إلى 20% بنهاية العام، وهو ما قد يعيد إلى الطاولة أدوات تمويل مؤجلة مثل "التوريق".
واعتبر “منصور”، في تصريحات لـ بلومبرج الشرق، أن استقرار سعر الصرف وتوفير العملة الأجنبية يعززان مناخ الثقة لدى المستثمرين، بما في ذلك الأجانب، ويمنح السوق العقارية دفعة جديدة على مستوى السيولة والمبيعات، رغم الزيادات المتوقعة في أسعار الوحدات بنحو 10% إلى 12% نتيجة ارتفاع تكلفة الإنشاء وأجور العمالة.
هل سوق العقارات قادر على التعافي؟

وبين تفاؤل المطورين بتكلفة تمويل أقل، وحذرهم من تضخم تكلفة التنفيذ، تقف السوق العقارية عند مفترق طرق، فالخفض الأخير للفائدة قد يشعل شرارة النشاط مجددا، لكن استمرار ارتفاع تكلفة البناء وغياب حلول تمويل عقاري فاعلة يفرضان قيودا على قدرة السوق على التعافي الكامل.
وتتبع الشركات العقارية في مصر نموذج البيع على الخريطة، مع مد آجال السداد وتخفيض مقدمات الحجز، في محاولة لجذب العملاء الذين تآكلت قدرتهم الشرائية، لكن هذا النموذج لا يصمد طويلًا أمام كلفة فائدة مرتفعة تتحملها الأسر لسنوات.
والمشهد الراهن لا يحتمل التأجيل: إما استمرار في خفض الفائدة لخلق مناخ استثماري تنافسي، أو بقاء السوق رهينة للضغوط التضخمية ومعوقات التمويل التي تعرقل انطلاقته الحقيقية، وفي النهاية يعد قرار خفض الفائدة هو خطوة في بداية الطريق، في انتظار المزيد من الخطوات التي ستعزز من نشاط سوق العقارات في مصر.