أصول بـ 1.5 مليار دولار.. كيف أصبح الصندوق السيادي ذراع الدولة لتنمية مواردها؟

في قلب الرؤية الاقتصادية لمصر، يقف صندوق مصر السيادي كمحور استراتيجي يعيد تشكيل ملامح الاقتصاد الوطني، ليس مجرد كيان مالي، بل ذراع الدولة الطموحة التي تحول أصولها غير المستغلة إلى رافعات تنمية، وتضمن استدامة مواردها لحماية الأجيال القادمة.
تأسس الصندوق بموجب القانون رقم 177 لسنة 2018، ليصبح جسرًا بين إمكانات الدولة وطموحاتها، عبر إدارة استثمارية مبتكرة وشراكات ذكية مع القطاع الخاص، ونستعرض في هذا التقرير من بانكير، دور الصندوق، واستثماراته، وجهوده في تنمية الأصول، وتأمين الأجيال القادمة من مستقبل اقتصادي مستدام.
دور صندوق مصر السيادي

صندوق مصر السيادي هو العمود الفقري الاقتصادي الذي يعيد صياغة علاقة الدولة بأصولها، ويهدف إلى تعظيم قيمة الموارد من خلال تحويل الأراضي والمباني الحكومية غير المستغلة إلى مشروعات حيوية، مع تحقيق عوائد مالية طويلة الأجل.
يعمل الصندوق كحلقة وصل بين القطاعين العام والخاص، ليحفز الاستثمار، ويعزز التنافسية، ويقلل الضغط على الموازنة العامة.
زوفقا لتقرير صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في يناير 2025، يدير الصندوق أصولا تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، برأس مال مرخص يصل إلى 200 مليار جنيه، أي ما يعادل نحو 4 مليارات دولار بعد تعديل سعر الصرف في مارس 2025.
ويتماشى عمل الصندوق مع رؤية مصر 2030، حيث يسعى إلى تحقيق العدالة المكانية عبر توزيع الاستثمارات على المحافظات، ودعم القطاعات الحيوية مثل الطاقة، الصحة، والتعليم، وهذا الدور يجعل الصندوق لاعبا رئيسيا في تقليص الفجوة بين الإمكانات المتاحة والاحتياجات التنموية.
استثمارات صندوق مصر السيادي

يرسم الصندوق خارطة استثمارية طموحة تستهدف القطاعات التي تشكل عصب الاقتصاد المصري، بداية من الطاقة المتجددة إلى البنية التحتية، مرورا بالصناعة والخدمات، وهذه الاستثمارات ليست مجرد أرقام، بل مشروعات تحيي الأمل، وتولد فرص عمل، وتعزز مكانة مصر كوجهة استثمارية عالمية.
وسجل صندوق مصر السيادي حضورا قويا في عدة قطاعات على النحو التالي:
الصناعة والنقل:
يمتلك الصندوق 12% من الشركة الوطنية لصناعة السكك الحديدية، التي تسهم في تصنيع عربات القطارات محليا، مما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويعزز النقل المستدام، كما وقع الصندوق في مارس 2025 اتفاقية مع شركة "سيمنس" لتطوير خطوط إنتاج جديدة، باستثمارات تقدر بـ500 مليون دولار.
الصحة والدواء:
استحوذ الصندوق على 49% من صيدليات العزبي، ليعزز الوصول إلى الخدمات الصيدلانية، مع خطط للتوسع في سلاسل التوزيع خلال 2025، كما يدعم مشروعات تطوير المستشفيات الحكومية بالشراكة مع القطاع الخاص.
التأمين والخدمات المالية:
يمتلك الصندوق 100% من شركة مصر القابضة للتأمين، التي تعد ركيزة للقطاع المالي، مع خطط لإعادة هيكلتها لزيادة كفاءتها بحلول 2026.
الموارد المائية:
يدير الصندوق شركة "صافي" لإنتاج المياه الطبيعية، ويشرف على مشروعات تحلية مياه بقيمة 2 مليار دولار، بالتعاون مع مستثمرين خليجيين، لتعزيز الأمن المائي.
الطاقة المتجددة:

في فبراير 2025، أعلن الصندوق عن استثمار 300 مليون دولار في محطات طاقة شمسية جديدة بأسوان، بالشراكة مع شركة "أكواباور" السعودية، لدعم هدف مصر بتوليد 42% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030.
وإلى جانب ذلك، يعيد الصندوق تشكيل معالم الأصول العقارية، مثل إعادة تطوير مبنى مجمع التحرير، وأرض حديقة الحيوان بطنطا، ومباني وزارة الداخلية السابقة بالشيخ زايد، تحول هذه الأصول إلى مراكز تجارية وسياحية.
في يناير 2025، أعلن الصندوق عن طرح 10 مشروعات عقارية جديدة بقيمة 4 مليارات دولار، تستهدف المستثمرين المحليين والدوليين، وخلقت هذه الخطوات أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة منذ 2020، وفقًا لبيانات وزارة الاستثمار.
كيف يساهم الصندوق في إدارة أصول الدولة؟
يشبه عمل الصندوق فن إعادة النحت، حيث يأخذ أصولا حكومية ويحولها إلى مشروعات حية نابضة بالحياة، مثل الأراضي غير المستغلة، المباني المهجورة، والشركات الحكومية ذات الكفاءة المنخفضة، فكلها تدخل تحت مجهر الصندوق لإعادة تقييمها وتطويرها من جديد.
ومن الأمثلة البارزة في هذا الإطار، مشروع تطوير منطقة وسط البلد بالقاهرة، الذي يهدف إلى إحياء التراث المعماري مع خلق مركز تجاري وسياحي عصري، ووقع الصندوق في مارس 2025، عقدًا مع تحالف إماراتي-مصري بقيمة 1.2 مليار دولار لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، والتي تشمل تطوير 20 مبنى تاريخي، كما يشرف الصندوق على إعادة استغلال أرض المدينة الاستكشافية، التي ستحول إلى مجمع سكني وتجاري بحلول 2027.
أما على صعيد الشركات الحكومية، بدأ الصندوق في ابريل 2025 إدارة خمس شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، تمهيدًا لطرحها في البورصة، وتهدف هذه الخطوة، وفقًا لتصريحات وزير الاستثمار، إلى زيادة كفاءة هذه الشركات وتعظيم عوائدها بنسبة 15% سنويًا.
ومنذ تأسيسه، نجح الصندوق في زيادة قيمة الأصول المدارة بنسبة 25%، مدفوعا بشراكات مع مستثمرين من دول الخليج وآسيا.
الصندوق السيادي وتأمين المستقبل

وفي زمن تتسارع فيه التحديات الاقتصادية والبيئية، يضع الصندوق نصب عينيه ضمان استدامة الموارد للأجيال القادمة، ومن خلال استثمارات طويلة الأجل، ينشئ الصندوق مصادر دخل متنوعة تقلل الاعتماد على الديون أو الموارد الطبيعية.
وفي قطاع التعليم، يدعم الصندوق مشروعات تطوير المدارس والجامعات، مثل الشراكة مع القطاع الخاص لإنشاء 10 مدارس دولية جديدة في المحافظات بحلول 2026، بينما في الزراعة، يشرف على استصلاح 100 ألف فدان في سيناء، بالتعاون مع مستثمرين سعوديين، لتعزيز الأمن الغذائي.
ووفقًا لخطته الاستراتيجية 2025-2030، التي أعلنت في ديسمبر 2024، يخصص الصندوق 35% من ميزانيته لمشروعات الاستدامة، مثل إعادة تدوير المخلفات وتحلية المياه، وهذه المشروعات لا تُحقق عوائد مالية فحسب، بل ترسخ نهجا يضمن العدالة بين الأجيال، حيث توزع الثروة بشكل متوازن عبر الزمن والمكان.
مشروعات تغير وجه مصر
صندوق مصر السيادي ليس مجرد أداة استثمارية، بل رؤية تتجسد في مشروعات تُغيّر وجه مصر، فبداية من إحياء الأصول الراكدة إلى بناء اقتصاد مستدام، يعيد الصندوق تعريف دور الدولة كشريك فعال في التنمية.
ومع كل مشروع يُطلق، وكل فرصة عمل تخلق، يرسخ الصندوق مكانته كحارس لثروات الأجيال، ومهندس لمستقبل يلبي طموحات المصريين، وفي ظل عالم يتغير بسرعة، يظل الصندوق صخرة صلبة تعزز استقرار الدولة المصرية.