الأحد 27 أبريل 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

لماذا لا يستطيع العالم الاستغناء عن قناة السويس.. تتربع على عرش الممرات المائية العالمية

الأحد 27/أبريل/2025 - 10:22 ص
قناة السويس
قناة السويس

تتربع قناة السويس على عرش الممرات المائية العالمية كأحد أهم الشرايين التجارية التي تربط بين الشرق والغرب، حيث تظل رمزا للاستقرار الملاحي في عالم يعاني من أزمات متلاحقة تضرب القنوات الملاحية الأخرى.

ففي الوقت الذي تواجه فيه قناة بنما تحديات كبيرة تتمثل في الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية، والصراعات السياسية، وتراجع قدرتها على استيعاب حركة الشحن العالمية، تبرز قناة السويس كبديل لا غنى عنه، محافظة على مكانتها كأهم مجرى ملاحي في العالم. 

أزمات متلاحقة تضعف قناة بنما

قناة بنما

تواجه قناة بنما، التي كانت تعد منافسا تاريخيا لقناة السويس، أزمات تهدد استمراريتها كممر ملاحي عالمي، فالجفاف الناتج عن التغيرات المناخية أدى إلى انخفاض منسوب بحيرة "جاتون"، المصدر الرئيسي للمياه، إلى أدنى مستوياته منذ عقود.

وبسبب أزمة الجفاف التي ضربت القناة في 2023، فرضت إدارة القناة قيودا على عدد السفن اليومي لتنخفض من 38 إلى 24 سفينة، مما تسبب في تكدس أكثر من 200 سفينة وتأخير الشحنات لأسابيع، وأشارت تقديرات "بلومبرغ" - آن ذاك - إلى أن هذه الأزمة كلفت الاقتصاد العالمي نحو 700 مليون دولار في عام 2023 فقط.

وسياسيًا لم تسلم أيضا قناة بنما من الصراعات العالمية، حيث أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في ديسمبر 2024 حول إمكانية استعادة السيطرة على القناة جدلا واسعا، وذلك حينما اتهم بنما بفرض رسوم "غير عادلة" على السفن الأمريكية، وزادت هذه التوترات من عدم اليقين حول مستقبل القناة، دافعة الشركات للبحث عن بدائل أكثر استقرارا مثل قناة السويس.

هل توجد قنوات ملاحية أخرى تستطيع منافسة قناة السويس؟

تفتقر القنوات الملاحية العالمية الأخرى إلى المرونة والقدرة التي تتمتع بها قناة السويس، فعلى سبيل المثال قناة "كيل" في ألمانيا، محدودة بعرض 44 مترًا فقط، مما يجعلها غير قادرة على استيعاب السفن الكبيرة. 

أما الممر البحري الشمالي عبر القطب الشمالي، فهو يعاني من تحديات الجليد، وارتفاع تكاليف التشغيل، والمخاطر البيئية، مما يجعله غير عملي للتجارة الدائمة، إذ لم يعبره سوى 34 سفينة في 2023 وفقًا لإدارة الممر الشمالي الروسي.

كيف أصبحت قناة السويس العمود الفقري للتجارة العالمية؟

قناة السويس 

يمتد المجرى الملاحي لقناة السويس عبر الأراضي المصرية ليربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، ليصبح شريان حياة ينبض بحركة نحو 12% من التجارة العالمية، وتتمتع القناة بموقع جغرافي لا مثيل له، حيث تقصر المسافة بين آسيا وأوروبا بما يزيد عن 7 آلاف كيلومتر مقارنة بالطريق البديل حول رأس الرجاء الصالح. 

هذا الاختصار يعني توفيرا كبيرا في الوقت والتكاليف، إذ يقلل مدة الرحلة من 25-30 يومًا إلى حوالي 13 يومًا فقط للسفن القادمة من الهند إلى أوروبا، ووفقًا لتقرير هيئة قناة السويس لعام 2024، عبرت القناة 22,609 سفن خلال السنة المالية 2022/2023، بنقل حمولة صافية بلغت 1.54 مليار طن، محققة إيرادات قياسية وصلت إلى 9.4 مليار دولار، وهو أعلى رقم في تاريخها، وهذه الأرقام تؤكد أن القناة ليست مجرد ممر محلي، بل مركز عالمي يدعم سلاسل التوريد بين قارات العالم.

دور قناة السويس في تحقيق الأمن الاستراتيجي العالمي

تتجاوز أهمية قناة السويس حدود التجارة لتشمل الأمن الاستراتيجي، حيث تعد ممرا حيويا لنقل النفط والغاز من الخليج العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة، وحوالي 10% من تجارة النفط العالمية و8% من الغاز الطبيعي المسال تمر عبر القناة، مما يجعلها عامل استقرار لأسواق الطاقة العالمية.

كما أن قدرة قناة السويس على استيعاب السفن العملاقة، بفضل غاطس يصل إلى 24 مترا وعرض يتجاوز 77 مترا في بعض المقاطع، يمنحها تفوقا لا يضاهى على قنوات مثل بنما التي تقتصر على غاطس 12 مترًا فقط.

تطورات قناة السويس.. استثمارات للمستقبل

قناة السويس 

لم تكتف قناة السويس بموقعها الاستراتيجي، بل شهدت تطورات هائلة عززت من كفاءتها وجعلتها في صدارة الممرات العالمية، ومن أبرز هذه التطورات كان مشروع قناة السويس الجديدة الذي افتتح في 6 أغسطس 2015 بتكلفة 8.2 مليار دولار، والذي شمل حفر تفريعة جديدة بطول 35 كيلومترا وتوسيع وتعميق 37 كيلومترا أخرى في منطقة البحيرات المرة، ليصل إجمالي طول الممر المزدوج إلى 72 كيلومترًا. 

بفضل هذا التطوير الكبير الذي شهدته قناة السويس، تقلص زمن عبور السفن من 18 ساعة إلى 11 ساعة، وزاد الطاقة الاستيعابية اليومية من 49 سفينة إلى 97 سفينة في المتوسط.

مشروع ازدواج قناة السويس في منطقة البحيرات المرة

في ديسمبر 2024، أعلن الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، عن نجاح التشغيل التجريبي لمشروع ازدواج القناة في منطقة البحيرات المرة الصغرى من الكيلو 122 إلى الكيلو 132، ضمن خطة تطوير القطاع الجنوبي. 

هذا المشروع، الذي ينتظر إصدار الخرائط الملاحية الجديدة للتشغيل الفعلي في 2025، يرفع الطاقة الاستيعابية بمعدل 6-8 سفن إضافية يوميًا، ويسمح بعبور السفن العملاقة بعرض يصل إلى 90 مترًا، كما حدث مع الحوض العائم "DOURADO" في نوفمبر 2024، وهذه التوسعات تجعل القناة جاهزة لاستقبال أكبر السفن في العالم، مثل ناقلات الحاويات التي تزيد سعتها عن 24 ألف حاوية نمطية.

كما أدخلت هيئة قناة السويس تحسينات تقنية تشمل أنظمة مراقبة متطورة وخدمات لوجستية محسنة، إلى جانب سياسة تسعير مرنة قدمت تخفيضات تصل إلى 40% لبعض الخطوط الملاحية منذ 2019، مما عزز جاذبيتها للشركات العالمية.

لماذا لا غنى عن قناة السويس؟

قناة السويس 

في ظل أزمات عالمية متلاحقة، تثبت قناة السويس أنها العمود الفقري للتجارة الدولية، بدعم من تطوراتها واستقرارها، وفيما يلي نستعرض لما لا يمكن الاستغناء عن قناة السويس:

  • الاستدامة البيئية، حيث لا تعتمد القناة على أنظمة أهوسة أو بحيرات داخلية، مما يجعلها محصنة ضد الجفاف الذي يهدد بنما.
  • التكيف مع التجارة الحديثة، فالتوسعات الأخيرة جعلتها قادرة على استيعاب السفن العملاقة التي تشكل العمود الفقري للشحن الحديث.
  • الاستقرار السياسي، حيث توفر مصر بيئة مستقرة نسبيا، مدعومة باتفاقية القسطنطينية (1888) التي تكفل حرية الملاحة عبر القناة.
  • رغم تراجع النشاط بنسبة 70% في الربع الثاني من 2024/2025 بسبب التوترات في باب المندب، فإن التوسعات الجديدة ستعيد تعزيز مكانتها.

كيف استفادت قناة السويس من أزمات قناة بنما؟

تشير تقارير حديثة إلى أن أزمة بنما دفعت الشركات لتحويل مساراتها نحو قناة السويس، خاصة للشحنات بين آسيا والساحل الشرقي الأمريكي، ففي 2023، سجلت القناة زيادة في عبور السفن القادمة من هذه المناطق بنسبة 15%، ويتوقع الخبراء ارتفاعا إضافيا بنسبة 10-15% في 2025 مع استكمال مشروع الازدواج الجنوبي.

ومما لا شك فيه، فإن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي تجمع بين الموقع الاستراتيجي، والتطور المستمر، والقدرة على التكيف مع التحديات، وفي ظل أزمات قناة بنما البيئية والسياسية، وضعف المنافسين الآخرين، تظل القناة المصرية الخيار الأمثل لضمان استمرارية التجارة الدولية، وذلك بفضل استثماراتها الضخمة وإدارتها الرشيدة، التي تثبت يوما بعد يوم أن العالم لا يستطيع الاستغناء عنها.