عقد من التحديات والصمود.. كيف ساهمت قرارات السيسي في دعم الاقتصاد الوطني؟

منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة مصر في عام 2014، شهد الاقتصاد المصري تحولات جذرية عبر تنفيذ سلسلة من الإصلاحات والمشروعات القومية الكبرى، وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.
وعلى مدار السنوات العشر الماضية، شهدت مصر تحولًا جذريًا في مختلف المجالات، حيث أصبحت التنمية الشاملة نهجًا استراتيجيًا للدولة، انعكس في مشروعات قومية غير مسبوقة طالت كل شبر من أرض الوطن.
كيف أعادت مصر رسم خريطة التنمية؟
هذه المشروعات لم تقتصر على إعادة تأهيل البنية التحتية القائمة فحسب، بل امتدت إلى إرساء أسس الجمهورية الجديدة، مما أحدث طفرة نوعية في قطاعات الاقتصاد، العمران، المرافق، الصحة، الطاقة، والصناعة، وأسفر عن ولادة آلاف المشروعات الجديدة التي غيرت وجه التنمية في البلاد.
البنية التحتية.. أساس النمو المستدام
أدركت القيادة السياسية أن البنية التحتية هي العمود الفقري لأي عملية تنموية، وأن تحسينها يعزز مناخ الاستثمار ويهيئ البيئة المناسبة للنمو الاقتصادي، من هذا المنطلق، انطلقت مصر نحو استراتيجية تنموية طموحة، تضمنت تطوير شبكات الطرق والكباري، تحديث منظومة النقل الجماعي، وتوسيع نطاق المدن الجديدة، لتواكب تطلعات المستقبل وتستوعب الزيادة السكانية المتنامية.
وأجمع المحللون الاقتصاديون على أن ما تحقق من إنجازات منذ النصف الثاني من عام 2014 يعكس تكاملًا بين إرادة القيادة السياسية وجهد الشعب المصري، حيث تحولت الدولة إلى ورشة عمل ضخمة، قادت إلى نقلة نوعية في التنمية المتوازنة بين مختلف المحافظات.
الجمهورية الجديدة.. رؤية تنموية ترسم ملامح المستقبل

وتبنت الدولة سياسات جديدة لتوطين الصناعة وجذب الاستثمارات من خلال إطلاق حزم تحفيزية متكاملة، تشمل توفير التمويل الميسر، وتأهيل الكوادر البشرية، وتسهيل الإجراءات، إلى جانب خلق بيئة داعمة للصادرات، وساهمت هذه السياسات في تسريع وتيرة إنشاء المجمعات والمدن الصناعية، التي أصبحت ركيزة أساسية في تحقيق التنمية الصناعية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق العالمية.
ما تحقق خلال العقد الأخير لم يكن مجرد مشروعات تنموية، بل كان إعادة هيكلة شاملة لمختلف القطاعات، انطلاقًا من رؤية تسعى إلى بناء دولة حديثة تعتمد على الإنتاج والمعرفة، وتسعى لتحقيق التوازن بين التطوير الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
ومع استمرار تنفيذ هذه الاستراتيجيات، تواصل مصر طريقها نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، يعكس الطموح الوطني في بناء دولة قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة.
الاحتياطي النقدي الأجنبي.. ركيزة استقرار الاقتصاد
على مدار العقد الماضي، واجه الاقتصاد المصري تحديات وضغوطًا غير مسبوقة، حيث تعرض لصدمات متتالية فرضت عليه السير على حبل مشدود، محاولًا تحقيق التوازن بين الاستقرار والنمو.
ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة الدولة في 2014، كان الاقتصاد في صدارة أولوياته، حيث وضع رؤية واضحة تستهدف بناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة المتغيرات والتحديات العالمية، خاصة في أعقاب التراجع الحاد الذي شهده الاقتصاد المصري بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013.
وكانت الرؤية الاستراتيجية للرئيس السيسي استباقية في التعامل مع الأزمات، إذ شهد العالم خلال العقد الأخير تحديات كبرى هزت أقوى الاقتصادات، بدءًا من جائحة كورونا في 2020، التي فرضت حالة إغلاق عالمي غير مسبوقة، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية في 2022، ثم النزاع في السودان، وأخيرًا حرب إسرائيل على غزة في أكتوبر 2023، وما تبعها من اضطرابات في البحر الأحمر.
وفي ظل هذه الأزمات المتلاحقة، ركزت الدولة المصرية على تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي باعتبارها صمام الأمان للاقتصاد الوطني، حيث كان الاحتياطي النقدي يعاني من تآكل مستمر منذ 2011، لكنه استعاد عافيته تدريجيًا بفضل السياسات الاقتصادية المدروسة، ليقفز بقيمة 29.4 مليار دولار خلال 10 سنوات.
وبناءً على توجيهات الرئيس السيسي، وضع البنك المركزي خطة شاملة لتعزيز الاحتياطي النقدي، تضمنت سياسات نقدية مرنة تهدف إلى بناء قاعدة قوية من العملات الأجنبية، مما ساهم في الحفاظ على الاستقرار المالي لمصر.
ورغم الالتزامات الدولية الضخمة التي أوفت بها الدولة، نجحت هذه الاستراتيجية في رفع الاحتياطي النقدي إلى مستويات تاريخية، حيث تجاوز بنهاية مايو 2024 حاجز 46.1 مليار دولار، وهو أعلى مستوى يبلغه في تاريخ مصر.
دور الاحتياطي النقدي في دعم الاقتصاد الوطني

ولم يكن الاقتصاد المصري ليتمكن من مواجهة الصدمات العالمية المتتالية دون امتلاكه احتياطيًا نقديًا قويًا، حيث ساهم هذا الاحتياطي في دعم استقرار الأسواق وتمويل المشروعات الكبرى، إضافةً إلى تأمين الاحتياجات الأساسية خلال الأزمات.
كما وفر سيولة كافية لدعم القطاعات الإنتاجية، الصناعية والزراعية والخدمية، مما انعكس على تعزيز الإنتاج المحلي وخلق فرص عمل جديدة.
مصر تجذب الاستثمارات الأجنبية
خلال العشر سنوات الماضية، نجحت مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في تأسيس بنية أساسية قوية لجذب الاستثمارات، من خلال تطوير البنية التحتية، وتوفير فرص استثمارية جاهزة بالتراخيص، بالإضافة إلى تقديم أراضٍ بأسعار تنافسية وحوافز ضريبية وغير ضريبية للمستثمرين، كما تم التواصل مع شركات عالمية للاستثمار في مجالات الطاقة واللوجستيات بنظام المشاركة.
ونتيجة لهذه السياسات، تمكنت مصر في عام 2023 من جذب استثمارات أجنبية مباشرة بلغت نحو 10 مليارات دولار، وهو أعلى رقم في أفريقيا، و تجاوزت الاستثمارات 40 مليار دولار بنهاية عام 2024، بعد توقيع صفقة رأس الحكمة وتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر.
اجراءات جريئة لتعزيز بيئة الاستثمار
واتخذت الحكومة المصرية سلسلة من القرارات الهامة لتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي شملت تخفيض تكلفة تأسيس الشركات، وتسهيل إجراءات تملك الأراضي، والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية، بالإضافة إلى تسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.
كما تم تخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، ما ساهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وكان من أبرز القرارات كان تعديل بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار للسماح لمشروعات الصناعة القائمة على الغاز الطبيعي بالعمل بنظام المناطق الحرة، وتحديد مدة زمنية لا تتجاوز 10 أيام للحصول على موافقات التأسيس.
كما وسعت الحكومة نطاق إصدار الرخصة الذهبية لتشمل الشركات القائمة قبل عام 2017، وأعادت هيكلة الشركات المملوكة للدولة بهدف تعزيز الحياد التنافسي في السوق، وتم إنشاء وحدة بمجلس الوزراء لإدارة بيانات الشركات المملوكة للدولة، مع موافقة الحكومة على تعديل القانون للسماح للمستثمرين الأجانب بقيد أنفسهم في سجل المستوردين لمدة 10 سنوات، حتى لو لم يحملوا الجنسية المصرية.
وفعلت الحكومة عدة إجراءات تسهم في تبسيط بيئة الاستثمار، مثل استحداث نظام مقاصة لاسترداد ضريبة القيمة المضافة في مدة زمنية قصيرة، وتسهيل إجراءات التحكيم في المنازعات التجارية عبر المحاكم الاقتصادية، بالإضافة إلى تعديل القوانين لتسهيل تملك الأراضي للأجانب.
وفي إطار سعيها لتعزيز مناخ الاستثمار، عملت الحكومة على وضع رؤية استراتيجية لتحسين ترتيب مصر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، كما تم إقرار إنشاء وحدة دائمة للشركات الناشئة بمجلس الوزراء لتنسيق السياسات واللوائح، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية والطاقة، مع تحسين الشفافية في الرسوم والضرائب، وكان الهدف من هذه الإجراءات رفع معدلات الاستثمار إلى مستويات تتراوح بين 25% و30% سنويًا.
الاقتصاد الوطني في أرقام على مدار 10 سنوات
وعلى صعيد الأرقام والإحصائيات، أظهرت البيانات الرسمية أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بلغ نحو 10 مليارات دولار خلال العام المالي 2023/2022، بزيادة قدرها 12.4% مقارنة بالعام المالي 2022/2021، الذي سجل فيه نحو 8.9 مليار دولار.
وفي السنوات السابقة، كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي قد سجلت مستويات متفاوتة، حيث بلغ حجمها في العام المالي 2016/2017 نحو 7.9 مليار دولار، وفي العام التالي 2017/2018 نحو 7.7 مليار دولار، بينما ارتفعت إلى 8.2 مليار دولار في العام المالي 2018/2019.
ورغم هبوط تدفقات الاستثمار في العام المالي 2020/2021 إلى 5.2 مليار دولار، إلا أن هذه الأرقام عادت للصعود بشكل ملحوظ، حيث سجلت 8.9 مليار دولار في العام المالي 2021/2022، ثم وصلت إلى 10 مليارات دولار في العام المالي 2022/2023.
وفي تصريحات صحفية له، أكد الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أن مصر قد تجاوزت مستهدفاتها الخاصة بمعدلات الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024، بعد توقيع صفقة رأس الحكمة وتنفيذ عدد من مشروعات الهيدروجين الأخضر.
وكان من المتوقع أن تجذب مصر بين 10 و12 مليار دولار بنهاية العام الجاري، إلا أن أرقام الاستثمار الأجنبي تجاوزت تلك التوقعات بكثير، حيث من المتوقع أن تجاوزت 40 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
النهوض بقطاع السياحة

وعلى مدار عشر سنوات، اهتمت القيادة السياسية بتطوير قطاع السياحة، باعتباره أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد المصري، وأسهمت جهود الدولة في زيادة أعداد السائحين، بفضل التنوع الكبير في المنتجات السياحية التي تقدمها مصر، مثل سياحة الشواطئ، الثقافة والدين، وسياحة المغامرة، مما جعلها وجهة مفضلة عالميًا.
وتعكف وزارة السياحة والآثار على تحسين الخدمات السياحية لتوفير تجربة متميزة للسائحين، ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق نمو سنوي في السياحة يتراوح بين 25% و30%.
وشملت هذه الاستراتيجية تحسين الوصول إلى المقاصد السياحية وزيادة عدد مقاعد الطيران، بالإضافة إلى تحفيز الاستثمار في القطاع.
وتزامنًا مع تلك الجهود، تم إصدار قانون رقم 27 لسنة 2023 لإنشاء الغرف السياحية وتعزيز دورها في تطوير الصناعة، حيث يهدف القانون إلى تحسين مناخ الاستثمار في السياحة وزيادة كفاءة الغرف السياحية.
كما تبنت الدولة إجراءات عدة لدعم القطاع، مثل إطلاق البوابة المصرية للحج والعمرة لتقليل تلاعب السماسرة، وتدريب العاملين، وفتح أسواق سياحية جديدة، ومن أهم القرارات التي تم اتخاذها هو تسهيل دخول السياح عبر تأشيرات دخول اضطرارية لـ 180 جنسية، مع منح تسهيلات إضافية للجنسيات المختلفة.
وفي إطار تحسين البيئة السياحية، وافق البنك المركزي على إدراج تكلفة تحويل المنشآت الفندقية إلى "منشآت خضراء" ضمن مبادرة الإحلال والتجديد، كما تم دعم المنشآت التي تسعى لزيادة جودة خدمات الإنترنت.
وتركز الدولة على تعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية من خلال استغلال مواردها الطبيعية والبشرية والأثرية، وتحسين البنية التحتية لرفع القدرة التنافسية، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في الترويج السياحي وزيادة الوعي السياحي محليًا ودوليا.
الدولة تسابق الزمن لتحقيق نهضة اقتصادية
وبعد استعراض جهود الدولة في عدد من القطاعات، يتبين لنا أن مصر شهدت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي نقلة نوعية في مسارها الاقتصادي، حيث تم اتخاذ مجموعة من القرارات والإجراءات الاستراتيجية التي أسهمت بشكل كبير في تعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ومن خلال الإصلاحات التشريعية والمالية، وتحسين البنية التحتية، وتحفيز القطاعات الحيوية مثل الطاقة والصناعة والزراعة، نجحت مصر في تحقيق استقرار اقتصادي ملحوظ وزيادة في تدفقات الاستثمارات، مما انعكس إيجابًا على معدلات النمو.
وبفضل هذه السياسات، تواصل مصر السير على طريق النمو الاقتصادي المستدام، مع تجاوز التوقعات وتحقيق إنجازات تاريخية في جذب الاستثمارات، مما يضع البلاد على خارطة الاقتصادات العالمية القوية.