هبوط جديد للدولار في السوق السوداء.. والمضاربون يتكبدون خسائر فادحة
عاد دولار السوق السوداء في مصر للتراجع مجددًا خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك بعض أن عوض جزءًا من مكاسبه التي جناها بعد الهبوط المفاجئ الذي ضرب سعر العملة الأمريكية يوم الخميس، حيث يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات هامة لمديرة صندوق النقد الدولي تلمح فيها إلى أن الصندوق قد يتخلى عن بعض شروطه لاستكمال برنامجه التمويلي مع مصر.
أقساط مستحقة
وفي الوقت نفسه، رفع البنك المركزي المصري تقديراته لقيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال العام القادم إلى 32.79 مليار دولار، بزيادة بحوالي 3.56 مليار دولار مقارنة بتقديراته السابقة في سبتمبر أيلول الماضي البالغة 29.229 مليار دولار، وفقاً لتقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك.
وكان البنك قد توقع في وقت سابق زيادة قيمة الأقساط والفوائد المستحقة للعام القادم أيضًا، حيث ارتفعت هذه التقديرات إلى 29.229 مليار دولار في سبتمبر الماضي، مقابل تقديرات الشهر السابق التي بلغت 28.049 مليار دولار.
من ناحية أخرى، يُتوقع أن تنخفض قيمة الفوائد والأقساط المستحقة خلال عام 2025 إلى 19.265 مليار دولار، حيث يُتوقع سداد 11.357 مليار دولار خلال النصف الأول من العام و7.908 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام نفسه.
على الجانب الآخر، كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد، التي أدلت بتصريحاتها خلال قمة المناخ "كوب 28" التي انعقدت في دبي، لم توفر توضيحًا حول مدى استعداد صندوق النقد الدولي لتعديل بعض اقتراحاته لتحفيز اقتصاد مصر. كما لم تُبين ما إذا يجب على القاهرة أن تلبي بعض المطالب التي قدمها الصندوق، بما في ذلك الالتزام بمرونة سعر صرف الجنيه وتسريع برنامج طروحات الشركات الحكومية، مما يعد تحولاً في نبرة الصندوق الذي كان يؤكد مرارًا وتكرارًا على ضرورة تعويم العملة وتخارج الحكومة من الاقتصاد عبر الطروحات. حيث قالت: "نحن نعمل حاليًا مع السلطات المصرية، التي تقوم بجهد ملحوظ في ظروف صعبة لتحديد الأولويات، بما في ذلك تقديم الدعم للسكان المحتاجين وخلق فرص تطوير للقطاع الخاص، وسنواصل هذا الجهد".
أعطى صندوق النقد الدولي الأولوية لمعركة التضخم في مصر على حساب عملية تعويم الجنيه على غير المعتاد، حيث قالت المديرة التنفيذية في مقابلة يوم الأحد مع سكاي نيوز عربية في قمة المناخ COP 28 في دبي: "نحن نعطي الأولوية لمكافحة التضخم وبعد ذلك سننظر بالطبع إلى نظام سعر الصرف". وأضافت: "لقد طلب منا مساعدة مصر في استهداف التضخم"، وهو أمر "حكيم للغاية لأن التضخم هو عدو الفقراء".
برنامج صندوق النقد الدولي
منذ عدة أشهر، تسعى مصر لإعادة تنشيط برنامج التمويل من الصندوق بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتدرس زيادته إلى خمسة مليارات. وعلى الرغم من تجميده الفعلي، حصلت القاهرة على الدفعة الأولى بعد توقيع الاتفاق العام الماضي، لكن كان من المقرر أن تحصل على شريحتين من القرض في مارس وسبتمبر هذا العام، وكلاهما يتطلب مراجعة من الصندوق لضمان التزام السلطات المصرية بالشروط التي كان أهمها تعويم العملة وتخارج الدولة من الاقتصاد.
لمواجهة الأزمة الحادة في نقص الدولار، خفضت مصر قيمة عملتها المحلية ثلاث مرات منذ بداية 2022، لكن التضخم ارتفع وخسرت العملة ما يقرب من نصف قيمتها.
وأفادت وكالة "بلومبيرغ" الشهر الماضي أن مصر تعقد محادثات مع صندوق النقد الدولي لتعزيز برنامج الإنقاذ الخاص بها إلى أكثر من 5 مليارات دولار.
وفي أكتوبر الماضي، قالت مديرة صندوق النقد الدولي إن مصر يجب أن تخفض قيمة عملتها مرة أخرى لتجنب استنزاف احتياطياتها، متمسكة بضرورة تخارج الدولة من القطاع الخاص وتحرير سعر الصرف.
يأتي هذا التحول في خطاب صندوق النقد الدولي تجاه مصر بعد التوترات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، وهو ما عبرت عنه مديرة صندوق النقد، حيث يبدو أن الصندوق أدرك أهمية دور مصر في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي يجب أن يكون اقتصاد البلاد مستقرًا لتستطيع القيام بهذا الدور الإقليمي الهام، حيث هدأت نبرة مديرة الصندوق تجاه فكرة تعويم العملة بسبب ما سينتج عنه من تنام لمعدلات التضخم.
سعر الدولار في السوق السوداء الآن
عوض دولار السوق السوداء في مصر خلال الساعات الماضية بعضًا من خسائره التي مني بها خلال تعاملات، يوم الخميس، حيث تعرض لهبوط مفاجئ صوب مستوى 46 جنيهًا للدولار، ولكنها شهد تراجعًا طفيفًا بعد تصريحات مديرة صندوق النقد الأخيرة.
وظل سعر الصرف الرسمي ثابتا عند حوالي 30.90 جنيهًا للدولار، بينما تراجع سعر الدولار بالسوق السوداء خلال الساعات الماضية إلى مستويات تتراوح بين 40 إلى 41 جنيهًا للدولار الواحد، بعدما كان يتم تداول العملة الأمريكية فوق مستوى الـ 50 جنيهًا للدولار.
وبشكل عام، يتراجع الدولار والعملات الأجنبية، في السوق السوداء كلما كانت هناك أنباء مطمئنة حول وضع الاقتصاد المصري، أو صدور توقعات من مؤسسات وبنوك دولية إيجابية بشأن مستقبل الجنيه، حيث يرتفع العرض ويقل الطلب في هذه الحالة. والعكس صحيح، يرتفع سعر الدولار والعملات الأجنبية ويزداد الطلب كلما كانت الأنباء سلبية وغير مطمئنة بشأن الاقتصاد ومستقبل الجنيه.