فضح المتلاعبين في سوق الذهب!!
كان الخميس الماضي يوماً أسود على أسعار الذهب المصري ، شهدت فيه أسواقه تلاعبا وفوضى غير مسبوقة ، نتج عنهما ارتفاع تجاوز كافة الخطوط والتوقعات ، إلى الحد الذي جعل خبراء الذهب يصفونه بالجنون !
إن ما حدث يوم الخميس الماضي في سوق الذهب شيء لا يصدقه عقل بحق ، حدثت فيه ممارسات ومضاربات وغلاء فاحش لم يحدث في التاريخ ، وبيع بأسعار تعجيزية غير منطقية وغير حقيقية وغير عادلة ، حطمت جميع الأرقام من قِبل ذئاب الذهب الذين بدأوا تعاملاتهم في ذلك اليوم بسعر 2520 جنيها للجرام عيار 21 الأكثر تداولا في مصر ثم قفزوا به نحو 230 جنيها على مدار تداولات اليوم ، فيما تخطى عيار 24 قيمة الـ3200 جنيها للمرة الأولى ، وفي ركابهما ارتفعت أسعار عيارات لم يكن المصريون يعرفونها أو يتداولونها أو يقبلون عليها نظرا لغلبة نسبة النحاس فيها مثل عيار 14 الذي قفز فيه سعر الجرام من 1673إلى 1700 جنيها وعيار 12 الذي بيع بنحو 1465 جنيها! كل هذا الارتفاع غير المبرر حدث في مصر في الوقت الذي يشهد فيه سعر الذهب بالبورصات العالمية انخفاضا وتراجعا بلغ حوالي 25 دولارا للأوقية.
نعم حدث تلاعب واضح من جانب ذئاب الذهب في تسعيره بقيمة فاقت قيمته الدولارية الحقيقية ما أدى إلى ارتفاع سعره وسط ما يمكن أن نسميه حالة "ركود شديد " في بيع المشغولات الذهبية ، بينما كان الطلب متزايدا على شراء السبائك من قبل مستثمرين وتجار ومؤسسات وبنوك ، ومن ثم سجلت أسعار سبيكة الذهب وزن 2.5 جرام 6975 جنيها للجرام، ووزن 5 جرامات 13950 جنيها ووزن 10 جرامات 27900 جنيها، وبلغ سعر السبيكة الذهب وزن 20 جراما 55800 جنيها وارتفع سعر أونصة الذهب وزن 31.1 جرام إلى 86769 جنيها، بخلاف المصنعية والضريبة والدمغة كما اقترب سعر الجنيه الذهب من 22 ألف جنيه خلال منتصف التعاملات مقارنة بـ 20080 جنيها خلال تعاملات اليوم السابق !
يقولون أن ذلك الارتفاع المجنون والكاذب قد حدث في ظل ترقب الأسواق لأي تحركات في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بعد ترويج شائعات حول تعويم جديد للجنيه عقب انتهاء عطلة العيد الطويلة، مما أبقي الطلب على الذهب كملاذ آمن عند أعلى مستوياته، خاصة وأن الذهب ربما يكون السلعة الوحيدة التي يتزايد الاقبال عليها بشكل طردي مع ارتفاع أسعارها !
لا شك أن هناك تغييب متعمد ومقصود من قبل ذئاب الذهب لآلية تسعيره في السوق المحلي حتى يفصلوه عن السوق العالمي وهو ما حدث بالفعل .. هذا الغياب أو التغييب المقصود وذلك التلاعب يستوجبان محاسبة عاجلة وسرعة لهم مع إصدار بيانات من الجهات المختصة توضح حقيقة مؤشرات العرض والطلب كما توضح للعامة من هم الذين ساهموا في تلك الجريمة وأقبلوا على شراء الذهب بكميات كبيرة !
ذئاب الذهب المتلاعبون تلاعبا واضحا، راحوا يسوقون تبريرات زائفة من بينها أن الدولة هي السبب لأنها لم تعد تستورد "الخام" منذ عام تقريبا ، تنفيذا لقرار أصدره البنك المركزي، يحظر على المصارف تمويل قيمة واردات الذهب من خلال الجهاز المصرفي، ما يعني أنهم مضطرون إلى الحصول على الدولار من السوق الموازية " السوداء " في كل الأحوال وبأي ثمن ، علماً بأن الهدف الأساس من قرار البنك المركزي كان توفير الحصيلة الدولارية لاستيراد منتجات رئيسية، كالسلع الاستراتيجية والغذائية وخامات الإنتاج ، فكانت نتيجة ذلك الحظر انخفاض في المعروض بحجم أصبح لا يغطي حالة الارتفاع في الطلب مع ملاحظة أن حجم إنتاج المشغولات الذهبية المدموغة في مصر من قبل مصلحة الدمغة والموازين بوزارة التموين، قد بلغ نحو 65 طنًا في العام الماضي بينما بلغ حجم التداول اليومي قرابة السبعة أطنان ، 80% منه إنتاجا محليا والـ 20 % الباقية خام مستورد !
الخبراء يتوقعون انخفاضا طفيفا للذهب في الأيام القليلة القادمة فقط ربما لا يتعدى الــ 150 جنيها للجرام الواحد مع تراجع سعره عالميا ولا ينصحون بشرائه في هذه الفترة الضبابية غير المستقرة ، ولكن من توقع حدوث ارتفاع عالمي للسعر نتيجة اتجاه الفيدرالي الأمريكي لخفض سعر الفائدة خلال الشهور القادمة، خاصة مع ارتفاع التوترات السياسية عالميا واعتبار الذهب الملاذ الوحيد الآمن للمستثمرين ، بعدما تذبذب سعر الدولار، ربما تحدث موجة ارتفاع جديدة للذهب في مصر على يد مودعي الشهادات الادخارية ذات عائد الـ 18 % ، التي تنتهي مدتها خلال شهر مايو الجاري واتجاههم نحو سحب مدخراتهم واستثمارها في الذهب الخام ( جنيهات وسبائك ذهبية) الذي أثبت جدارته كملاذ مربح كثيرا عن ودائع البنوك مهما بلغ عائدها ، وهم محقون في ذلك لا سيما وأن جرام الذهب قد تضاعف سعره 3 مرات خلال العام ، أي أنه أصبح يحقق عائدًا لا يقارن بعائد البنوك !
لقد كان وسيظل أداء الذهب جيداً على مر التاريخ، باعتباره أداة رئيسية للتحوط ضد الأزمات وخلال الفترة الأخيرة أصبح سلعة “استثمار الأزمات”، تلجأ إليه الصناديق الاستثمارية عندما تتعرض العملات الرئيسية أو أسعار السلع الرئيسية لهزات عنيفة، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب حاليا.
فخلال فترات الركود غالباً ما يعود الطلب على المعدن الأصفر للارتفاع باعتباره ملاذاَ تقليدياً آمناً ، ومن ثم يندفع إليه المستثمرون وأغلب المؤسسات والبنوك العالمية توقعا منهم لحدوث انزلاق جديد للاقتصاد العالمي لاسيما في أوقات الاضطرابات وما يترتب عليها من هبوط حاد في سوق الأسهم بشكل يفتح شهية هؤلاء المستثمرين نحو اكتناز الذهب خوفا من مخاطر المضاربة في البورصة .
أمر طبيعي عندما يكون المستثمر غير مطمئن للأداء الاقتصادي يتجه نحو الذهب لاحتفاظه بقيمته باعتباره سلعة سهلة التسييل إلى "الكاش" بأي عملة وأينما تواجد المستثمر في أي رقعة من العالم.
نقطة أخرى وجب علينا التصدي لها والرد على ما يثار من شائعات مغرضة بأن تصدير مصر للذهب الخام المستخرج من مناجمها كمنجم "السكري" على سبيل المثال أو المشغولات الذهبية لبعض الدول العربية ، وراء موجة الارتفاع الجنونية في أسعاره لكن الحقيقة غير ذلك تماما فالذهب الخام المستخرج من المناجم، يذهب منه 50% إلى الشركات المنقبة أو المستثمرة ، بينما تذهب الـ50٪ الأخرى إلى البنك المركزي المصري الذي نجح بالفعل في زيادة احتياطي الدولة من المعدن الأصفر بنسبة جعلتها تحتل المرتبة الـ 34 عالميا والرابعة عربيا ، ولا يدخل أي خام من الذهب المستخرج في الصناعة.
أما بالنسبة لتصدير المشغولات الذهبية للخارج، فإنها في البدايات أو كما وصفها إيهاب وصفي رئيس شعبة صناعة الذهب الأسبق بـ"الحبو"، بل إن إجمالي الكميات المصدرة منذ فتح باب التصدير وإلغاء رسم "التتمين"، من قبل مصلحة الدمغة والموازين قبل 3 شهور، لم يتجاوز 10 كيلو جرام.
"وصفي" اقترح أنه حال وجود إقبال على تصدير المشغولات الذهبية المصرية، يمكن اللجوء إلى عملية التبادل، وهو تسليم ذهب خام مساو لكمية المشغولات المصدرة، واحتساب أجر التصنيع، حتى نمنع زيادة الطلب على الذهب وارتفاع سعره من ناحية ، والمساهمة في زيادة الأيدي العاملة والحفاظ على رصيدنا من الذهب من ناحية أخرى .
الرئيس الأسبق لشعبة الذهب، توقع استمرارالأوضاع على ما هي عليه الآن وربما نشهد ارتفاعا جديدا سيتجاوز فيه جرام الذهب عيار 21 الـ 3000 جنيه.
السؤال المهم الذي يتردد على ألسنة العامة .. لماذا لا ينخفض سعر الذهب في مصرعلى الرغم من الهبوط الذي يشهده في البورصات العالمية؟
بداية إن تسعير الذهب في السوق المحلي يعتمد على عاملين أساسيين هما سعره العالمي ، وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، إلى جانب بعض العوامل الفرعية التي قد تؤثر في الأسعار لفترات قصيرة من الوقت مثل العرض والطلب ، وفي الماضي عندما كان الدولار متوفرا وسعره مستقرا ، كان سعر الذهب في مصر ثابت تقريبا ويتأثر فورًا بالسعر في البورصات العالمية
الوضع اختلف الآن ، أزمة دولار ، توقف الاستيراد ، شائعات بتعويم جديد للجنيه ، من اشترى الذهب لا يبيعه، فالارتفاع اليومي في الأسعار حفزه على الاحتفاظ بما يدخره من ذهب حتى يصل إلى أعلى مستوى ويحقق أكبر عائد، وهذا من شأنه أن يقلل المعروض في السوق، في الوقت الذي خفضت فيه بعض المصانع من إنتاجها. ناهيك عن تكالب ذئاب الذهب الكبار ورجال الأعمال والمستثمرين وبعض البنوك التي نفذت عمليات شراء ضخمة غير معلنة بينما كان دور غالبية المواطنين الغلابة مقتصراًعلى تعاملات بسيطة لا تذكر .
لاشك أن الضغوط على أسعار الذهب تتزايد يوميا في ظل اتجاه المصارف المركزية في الاقتصادات الكبرى إلى تعزيز حصة الذهب في تشكيلة احتياطاتها المالية كإجراء أصيل ضد مخاطر تقلب الأسعار خشية أن تحدث موجة إفلاس كبرى كما حدث لبعض البنوك التي أعلنت إفلاسها في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز الثقة القوية في أحد أهم موارد الاستثمار، إضافة إلى استمرار تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية على العالم، فضلا عن حالة التضخم الرهيبة التي تعم العالم ، فكلها أسباب دفعت الكثيرين إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن ، لكنه وبكل أسف لم يعد ملاذا للكثيرين الذين قسم الغلاء ظهورهم وأفلس جيوبهم ولم يعد بمقدور أبنائهم المقبلين على الزواج شرائه فاستبدلوه بالذهب الصيني وربما الفضة ، بسبب أفعال ذئاب الذهب الذين أجرموا في حق الوطن مرتين ، الأولي باستغلال أزمة الدولار والمضاربة بسعره في سوق موازية ، والجريمة الثانية لا تزال مستمرة في سوق الصاغة !