فوضى السوق تنعش استثمارات الذهب وانهيارات البنوك تقوده للصعود
بدأ الذهب خلال الأيام القليلة الماضية في جذب المستثمرين تجاهه بسبب بيئة السوق الفوضوية، وذلك بالتزامن مع المخاوف المتزايدة بشان انتشار عدوى انهيار بنك "سيليكون فالي - SVB".
وفي الوقت نفسه، أعادت الأسواق أيضًا تقييم توقعات رفع أسعار الفائدة قبل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعد بيانات التوظيف التي صدرت يوم الجمعة، وبيانات التضخم الصادرة منذ قليل. حيث تعد الأيام القادمة في فاصلة تحركات المعدن الثمين وستؤثر فيه لأشهر قادمة.
ما الذي يقود تحركات الذهب الفترة القادمة؟
هناك عاملين رئيسيين قد يدفعان الذهب إلى الأعلى، وهما خطر العدوى ومسألة ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكنه الاستمرار في التشديد أم لا، حيث أن الأمران مفيدان للمعدن الثمين.
وارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها في خمسة أسابيع بعد أزمة القطاع المصرفي الأمريكية، حيث إن الذهب ينتعش في أوقات الأزمات، وقفز أعلى مستوى 1900 دولار للأوقية.
في غضون ذلك، إذا أغلق الذهب أسبوعيًا فوق هذا المستوى، فسيؤدي ذلك إلى استئناف الاتجاه الصعودي الأوسع، وقد نشهد مستويات أعلى الـ 2000 دولار للأوقية في وقت قريب.
يخضع السوق حاليًا لنقاش ساخن حول ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يختار الارتفاع بمقدار 25 نقطة أساس أخرى في 22 مارس أو وقف دورة التشديد وتثبيت الفائدة عند المستويات الحالية بالاجتماع القادم. حيث إن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي سيحدده بشدة بيانات أسعار المستهلكين، والتي جاءت منذ قليل وفق توقعات الخبراء.
أزمة المصارف.. سلبية للذهب؟
رغم أن أزمة المصارف دفعت الذهب نحو الصعود، إلا أن التداعيات المصرفية متفائلة للذهب على المدى القصير ولكنها قد تكون محركًا سلبيًا على المدى الطويل. حيث إن كل هذه الأموال التي يتم طباعتها للمساعدة في تجاوز الأزمة تجعل قيمة الدولار أقل. لهذا السبب يتم بيع الدولار اليوم.
ونتيجة لذلك، يتعزز الذهب كملاذ آمن فقط. ولكن بمجرد أن نتجاوز هذه الأزمة، ستؤدي كثرة هذه الأموال إلى مزيد من التضخم. وسيتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي حينها الاستمرار في رفع أسعار الفائدة. وهو الأمر الي سيؤثر بشكل سلبي على أسعار الذهب.
وعلى الرغم من الارتفاع الهائل الذي شهده المعدن الثمين خلال الساعات الماضية، يتوقع خبراء الاقتصاد لدى بنك ANZ أن تهبط أسعار الذهب قرب مستوى 1800 دولار للأوقية في غضون ثلاث شهور، ولكن، يرى الخبراء بأن أسعار الذهب قد ترتفع نحو مستوى 2000 دولار للأوقية مع نهاية العام الجاري.
الملاذ الآمن.. المشهد ما زال معقدًا
على الرغم من التحديات التي تقف أمام ارتفاع أسعار الذهب، مثل خطط أغلب البنوك المركزية في الاستمرار بوتيرة التشديد النقدي ورفع الفائدة والتي تتسبب في تراجع الطلب على الأصول بدون عائد مثل الذهب، إلا أنه أيضاً علينا ألا نغفل أن هناك العديد من العوامل التي تساعد على تعافي المعدن الثمين، وهي أن الذهب ينتعش في أوقات الأزمات كما حدث في أزمة المصارف، بيد أن حزمة البيانات التي صدرت مؤخرًا التعدم التوجه القائل بأن الفيدرالي قد يثبت الفائدة أو يرفعها بـ 25 نقطة بالاجتماع المقبل.
ولفهم كيفية تفاعل المعدن الثمين مع الأزمات، فبعد وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008، لم يجد المستثمرون ملاذاً آمن غير الذهب مع انهيار الأسواق المالية حيث ارتفع 25 بالمئة بين 2008 و2010، وبمجرد عودة استقرار الأسواق العالمية نوعاً ما منذ نهاية 2011 عاد الطلب على الذهب ليتراجع بعد انخفاضه إلى مستويات تقترب من 1000 دولار للأونصة في 2015 عاد الذهب ليرتفع بقوة منذ ذلك الحين، وبمجرد تفشي وباء كوفيد-19، ازداد الطلب على الذهب مجدداً ليسجل مستويات قياسية عند 2074 دولار للأونصة، ثم جاءت الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتؤكد على جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن ليعود من جديد إلى 2000 دولار للأونصة مجدداً، قبل أن تبدأ البنوك المركزية في وتيرة التشديد النقدي.
ونستنتج من هذا أن المشهد ما زال معقدًا بعض الشيء، خاصة مع تضارب التوقعات الخاصة بالفائدة، وغموض المشهد حتى الآن بأزمة المصارف، إذ لا يعلم أحدًا متى ستنتهي ومدى عمق الأزمة وهل تنتشر هذه العدوى لبنوك أخرى لاحقًا أم لا.