استقرار الدولار عقب قرار البنك المركزي المصري بتثبيت أسعار الفائدة
استقر سعر الدولار أمام الجنيه المصري في الأيام الأخيرة عقب موجه الارتفاع الكبير التي طالت السوق المحلي المصري حيث وصل الدولار إلي مستويات 32 جنيه في بعض الأوقات إلا أن السعر استقر عند 30.28 جنيه.
قرر البنك المركزي المصري أمس تثبيت أسعار الفائدة عند مستويات عند مستويات 16.25% دون تغيير، وبذلك تم الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوى 16.25% للإيداع، وللاقتراض عند 17.25%، وسعر العملية الرئيسية عند 16.75%.
وكانت توقعات الخبراء والمحللين تتجه إلى إلى اتخاذ المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة بنسبة تراوح بين 1% إلى 3% لاحتواء آثار التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في أكثر من 4 سنوات، إلا أن المركزي المصري خالف كل هذه التوقعات.
وفي هذا الشأن، قال طارق متولي الخبير المصرفي المصري: "إن البنك المركزي انتهج سياسة انتظر وراقب، بعد قرار لجنة السياسات النقدية الماضي بزيادة سعر الفائدة 3%، موضحا أن البنك المركزي استغل أدوات لجنة السياسات النقدية، ويتبقى تنفيذ أدوات السياسة المالية، لتعزيز استقرار الأسواق"، في تصريحات لصحف محلية مصرية
وأضاف الخولي: "أن ما أدى لتثبيت أسعار الفائدة هو قرار اللجنة السابق بزيادتها 3%، وكذلك وقف شهادات 25 و22.5%، حيث إنه من غير المعقول إلغاؤها وزيادة سعر الفائدة مجددا، وكذلك إعلان المركزي عودة الأموال الساخنة، لافتا إلى أنه ليس هناك داعي لرفع سعر الفائدة".
وتابع: "من المتوقع أن ينتظر البنك المركزي، نتائج الإعفاءات الجمركية، وتأثير كميات السلع التي تم ضخها بالأسواق على الأسعار، ومن ثم تقييم الموقف واتخاذ الخطوة المناسبة، حيث إن البنك المركزي اتخذ خطوة استباقية بالفعل في اجتماعه الماضي بزيادة أسعار الفائدة 300 نقطة".
رحلة التعافي بدأت
أكد وزير المالية المصري، محمد معيط، أن تثبيت مؤسسة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني لمصر دليل على بدء تعافي الاقتصاد من تداعيات الأوضاع العالمية والمحلية الاستثنائية التي شهدها العام الماضي.
من جهته، ذكر نائب الوزير للسياسات المالية والتطوير المؤسسي، أحمد كجوك، أن الحكومة تستهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة سنوياً بنحو 10 مليارات دولار خلال الأعوام المقبلة، مضيفاً أن هناك مساعي لرفع حصيلة الصادرات السلعية إلى 100 مليار دولار، وزيادة عائدات قطاع السياحة إلى 30 مليار دولار سنويًا.
وكانت S&P قد أكدت على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية دون تعديل عند درجة B مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر.
عودة الاستثمارات
توقع مدير الاستثمار في "أبردين" لإدارة الأصول، كيفن دالي، أن تكون الأموال الأجنبية التي دخلت مصر خلال الأسابيع الماضية هي أموال تهدف للتحوط من تراجع سعر العملة، مشيراً إلى أن عودة الاستثمارات الأجنبية للسوق المصرية يلزمها بعض الوقت.
وأضاف دالي: "أن التدفقات الأولية من المستثمرين الأجانب التي عادت إلى مصر كانت في هيكل ما يعرف بتداولات التحوط بمعنى أن المستثمرين اشتروا سندات سيادية قصيرة الأجل لـ 6 أشهر أو عام وتحوطوا ضد تراجع العملة في السوق الآجلة، وكل هذا قد يكون وصفا فنيا، لكن هو بمثابة ضمان للمستثمر لعائد بـ4% أو 5% خلال فترة زمنية معينة أو أعلى بناءً على الاستثمار".
ما هي الأموال الساخنة؟ ولماذا عادت لمصر؟
يستعد مستثمرو الأسواق الناشئة للعودة إلى سوق الديون المحلية في مصر، حيث يغريهم الجنيه الأرخص والعوائد القياسية مقارنة بأقرانهم، وذلك وفقًا لوكالة بلومبرغ.
والأموال الساخنة هي أموال مستثمرين ومؤسسات أجنبية يبحثون عن عوائد مالية مرتفعة جدا عبر استثمارات قصيرة الأجل في السندات بكل أنواعها والودائع المصرفية وغيرها.
وعن موقف الحكومة المصرية من الأموال الساخنة، كان وزير المالية المصري محمد معيط قد صرح في أواخر يونيو الماضي بأن "الدرس الذي تعلمناه هو أنك لا يمكنك الاعتماد على هذا النوع من الاستثمار، إنه يأتي فقط للحصول على عوائد مرتفعة، وما إن تحدث صدمة حتى يغادر البلاد".
الجدير بالذكر أن مصر اعتمدت على هذه الأموال بشكل كبير بعد وصولها لاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر 2016، وتأرجحت قيمتها ما بين 14 مليار دولار و30 مليارا، إلا أنه بعد الحرب الروسية على أوكرانيا خرجت هذه الأموال من مصر بشكل كبير، حيث قدرت قيمتها بنحو 22 مليار دولار، وهو ما أحدث فجوة كبيرة في ميزان المدفوعات المصري للعام المالي 2021-2022.
وكان لهذه الأموال دور كبير في استقرار سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية لفترة طويلة، إلا أن ذلك لم يكن بلا ثمن، فقد تم دفع أعباء الفوائد على هذه الأموال بأعلى سعر فائدة في العالم آنذاك، وهو ما ساهم في تضخيم فاتورة أرباح الاستثمارات الأجنبية بمصر.
إلا أن عددًا من التقارير أفادت بعودة صناديق الاستثمار الأجنبية للعمل في أذونات الخزانة، وأن بعضها ضخ بالفعل ملايين الدولارات عبر البنوك المصرية، لشراء هذه الأذونات التي تجاوز سعر الفائدة عليها سقف 21%، وهو ما حقق استقرارًا في سعر الصرف خلال الأيام الماضية.
وتضع الأموال الساخنة الاقتصاد بشكل عام تحت ضغط حركة هذه الأموال التي تبحث عن أي زيادة في سعر الفائدة في العالم وتتجه إليه، وقد حدث ذلك عندما ارتفعت أسعار الفائدة في تركيا ونيجيريا والأرجنتين وأمريكا، حيث خرجت تلك الأموال من مصر آنذاك واتجهت لهذه الدول.
بجانب أن الاستمرار في استخدام هذه الأموال في المحافظة على استقرار سعر الصرف أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي، يجعل تلك المؤشرات غير معبرة عن حقيقة أداء الاقتصاد المصري، لأن الأصل أن يكون استقرار سعر الصرف أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي من موارد ذاتية، وليس من ديون الأموال الساخنة.
غير أن الأموال الساخنة تزيد من أعباء المديونية العامة لمصر لفترات طويلة، وتربك وضع الموازنة العامة للدولة، حيث إن فاتورة فوائد الديون تشكل مكونات الإنفاق العام.
رفع الفائدة يتزامن مع تخفيض العملة.. هل يتحقق الاستقرار؟
كشف تقرير حديث لبنك "جولدمان ساكس أن هناك عددا من الأسباب وراء انخفاض سعر صرف الدولار في السوق المصري، أولها زيادة المعروض بفضل الشهادات مرتفعة العائد التي أعلنت عنها البنوك التابعة للحكومة المصرية بعائد سنوي يبلغ نحو 25%، إضافة إلى زيادة إيرادات السياحية.
ومن الأسباب أيضاً نمو حصيلة التحويلات، بجانب تراجع الطلب على العملة الأجنبية بسبب انخفاض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، ورفع أسعار الفائدة، واستمرار حالة عدم اليقين بشأن الأداء الاقتصادي على المدى القريب.
ووفقًا للمذكرة، فإن الأسباب تتضمن أيضاً زيادة الثقة في العملة المصرية مع إتمام برنامج التمويل مع صندوق النقد الدولي، فضلا عن العمل على الإفراج عن البضائع في الموانئ المصرية، وإبطاء وتيرة الاستثمار الحكومي في بعض المشروعات القومية.
لكن في المقابل، أشار بنك الاستثمار الأميركي إلى استمرار وجود قيود على استخدام النقد الأجنبي بالشكل الذي يشير إلى أن هناك طلبا غير ملبى ولذلك يوجد سوق موازٍ بأسعار أعلى من أسعار الصرف في السوق الرسمية.
وأشار التقرير إلى أن مصر أحرزت تقدما كبيرا في إصلاح سعر الصرف، لكن السوق لم يصل لمرحلة التوازن بعد.