الثلاثاء 25 فبراير 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
اقتصاد مصر

56 مليار دولار قيمة سوق الدواء في مصر.. كيف نجحت الدولة في تحقيق 91% من الاكتفاء الذاتي؟

الثلاثاء 25/فبراير/2025 - 09:00 ص
صناعة الدواء في مصر
صناعة الدواء في مصر

تعد مصر من أبرز الأسواق الناشئة في قطاع صناعة الأدوية، حيث تحتل موقعًا رياديًا في إفريقيا، ويعود ذلك إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعلها مركزًا إقليميًا لتوزيع الأدوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى تطور بنيتها الصناعية الداعمة لهذا القطاع، وإنشاء العديد من المناطق الصناعية المتخصصة.

56 مليار دولار القيمة السوقية للأدوية في مصر 

وفي عام 2023، بلغت القيمة السوقية للأدوية في مصر 56.6 مليار دولار، مما يجعلها أكبر منتج ومستهلك للأدوية في إفريقيا، كما سجلت صادرات بقيمة 400 مليون دولار في نفس العام، مما يعكس قوة وأهمية هذا القطاع في الاقتصاد المصري.

ومن المتوقع أن يشهد السوق نموًا سنويًا مركبًا بنسبة 5.48% خلال الفترة من 2024 إلى 2029، ليصل حجم السوق إلى 2045 مليون دولار بحلول عام 2029.

الاكتفاء الذاتي والتصنيع المحلي

صناعة الدواء في مصر

ويساهم كل من القطاعين العام والخاص بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق الدوائية المصرية، حيث تصل نسبة التغطية الذاتية إلى 91% من إجمالي المبيعات، مما يدل على القدرة على تلبية احتياجات السوق المحلية والتحكم في العرض والطلب، وتُغطى النسبة المتبقية، والبالغة 9%، من خلال المستحضرات المستوردة تامة الصنع.

وتبذل الحكومة المصرية جهودًا حثيثة لدعم قطاع صناعة الأدوية، من خلال تبني سياسات داعمة تشمل تشريعات ملائمة، تقديم حوافز استثمارية، تسهيل الإجراءات، وتخفيف القيود التنظيمية للقضاء على البيروقراطية. 

اتفاقات دولية لدعم صناعة الدواء في مصر 

صناعة الدواء في مصر

وقد أبرمت الحكومة العديد من الشراكات والاتفاقيات مع دول رائدة عالميًا وعربيًا بهدف تبادل الخبرات والتكنولوجيا وجذب الاستثمارات.

من بين هذه الاتفاقيات، "اتفاقية التعاون الفني مع المملكة العربية السعودية" التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الاستثمارية بين البلدين، ليس فقط من حيث القيمة المادية، ولكن أيضًا من حيث القيمة المضافة لاقتصاد البلدين، لدعم قطاعات البنية التحتية، الخدمات اللوجستية، التكنولوجيا، والقطاع الطبي.

كما تم توقيع شراكة مع الإمارات العربية المتحدة لإنشاء مصنع مشترك لتصنيع الأدوية في مصر، بالإضافة إلى التعاون مع الأردن لتشجيع التصنيع المشترك للأدوية وتصديرها إلى الدول العربية والإفريقية، مما يعزز التكامل الاقتصادي العربي في مجال الأدوية ويدعم البحث العلمي والتطوير في هذا المجال.

مشروع مدينة الدواء المصرية

وفي خطوة مهمة لتعزيز صناعة الدواء، أطلقت مصر مشروع "مدينة الدواء المصرية-جيبتو فارما"، أحد أهم المشروعات القومية التي تهدف إلى امتلاك التكنولوجيا والصناعة الحديثة في هذا المجال الحيوي.

 يهدف المشروع إلى توفير أدوية عالية الجودة وآمنة للمواطنين، والحد من الممارسات الاحتكارية، وضبط أسعار الدواء، دعمًا لجهود الدولة في تقديم مبادرات وخدمات طبية وصحية متنوعة للمواطنين.

دعم صناعة الدواء وتوطين الإنتاج

صناعة الدواء في مصر

وفي هذا السياق، أكد الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، أن الدولة تولي اهتمامًا خاصًا بتوفير الأدوية وضمان جودتها وفق أعلى المعايير، مشيرًا إلى أن 91% من الدواء المتداول في السوق المحلي يتم تصنيعه محليًا، في حين يعتمد السوق بنسبة 9% فقط على المستحضرات المستوردة تامة الصنع.

وأوضح الغمراوي أن القطاع الخاص يساهم بنحو 93% من إجمالي الإنتاج المحلي، بواقع 74% من الشركات المحلية و26% من الشركات العالمية العاملة في مصر، بينما لا تتجاوز مساهمة القطاع الحكومي 7% فقط.

مراحل تطور سوق الدواء والصادرات المصرية

شهد سوق الدواء المصري نموًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، حيث ارتفع حجمه إلى أكثر من 215 مليار جنيه في عام 2023، مقارنة بـ 40 مليار جنيه في 2014. 

أما على مستوى الصادرات، فقد بلغت صادرات المستحضرات البشرية والمستلزمات الطبية خلال مارس 2024 نحو 148.2 مليون دولار، متجاوزة المعدل الشهري البالغ 144.1 مليون دولار، فيما وصلت قيمة الصادرات منذ بداية العام وحتى نهاية مارس إلى 432.2 مليون دولار.

وفي إطار التوجه نحو توطين صناعة الأدوية الحيوية، تسعى هيئة الدواء المصرية، لدعم الاستثمارات الدوائية، مما يقلل من فاتورة الاستيراد، ويعزز من قدرة المنتج المحلي على النفاذ للأسواق العالمية، بما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وزيادة الصادرات خلال السنوات المقبلة.

مزايا تنافسية لـ مصر في سوق الدواء

صناعة الدواء في مصر

تتمتع صناعة الأدوية في مصر بعدد من المقومات التي جعلتها أحد أبرز القطاعات الاقتصادية الواعدة، حيث تستفيد من توفر العمالة الماهرة بتكلفة تنافسية، وسوق محلية ضخمة تستوعب نسبة كبيرة من الإنتاج الوطني، إلى جانب موقع جغرافي استراتيجي يتيح سهولة النفاذ إلى أسواق إفريقيا وآسيا وأوروبا، مما يمنح مصر ميزة تنافسية في مجال التصدير وخفض تكاليف اللوجستيات.

ولم تكتف الحكومة المصرية بهذه المقومات الطبيعية، بل عملت على تعزيزها من خلال تطوير البنية التحتية للصناعات الدوائية، والاندماج في العديد من التكتلات الاقتصادية، مما ساهم في توسيع نطاق الأسواق المستهدفة أمام المنتج الدوائي المصري.

استثمارات استراتيجية لدعم صناعة الدواء في مصر

وأطلقت الدولة العديد من المبادرات والإصلاحات التنظيمية الداعمة لصناعة الدواء في مصر، وكان من أبرزها تأسيس "صندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية والصناعات الدوائية" عام 2020، وهو أحد الأدوات المرنة التي تمكن الدولة من الدخول في شراكات مباشرة مع القطاع الخاص، بهدف توطين الصناعات الدوائية وتعزيز سلاسل التوريد.

كما شهدت مصر تطورات ملحوظة على مستوى البنية التحتية لهذا القطاع، حيث تم إنشاء "مدينة الدواء" على مساحة 180 ألف متر مربع، والتي تعد من بين أكبر المدن الدوائية في الشرق الأوسط، والتي قد وصلت طاقتها الإنتاجية في عام 2023 إلى 26 مليون عبوة، مع رفع الإنتاج إلى 60 مليون عبوة عام 2024، مما يعكس التوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوسيع القدرة الإنتاجية.

نماذج مصرية ناجحة في صناعة الدواء

ومن النماذج الناجحة في تطوير الصناعات الدوائية، يأتي دور شركة "فاكسيرا"، التي أنشأت مجمعًا متكاملاً لصناعة اللقاحات، بشراكة مع شركة "سيرم" الهندية والشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات.

وبلغت الطاقة الإنتاجية - لمجمع صناعة اللقاحات - 24 ألف جرعة في الساعة، مما يعكس توجه الدولة نحو نقل التكنولوجيا وتعزيز الشراكات الاستراتيجية في هذا القطاع الحيوي لدعم الصناعة المحلية للدواء.

تحديات في مواجهة صناعة الدواء في مصر

صناعة الدواء في مصر

رغم التقدم الذي تشهده صناعة الدواء في مصر في الأعوام الأخيرة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات عدة، يأتي في مقدمتها ارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة، والتي تمثل جزءًا كبيرًا من مدخلات الإنتاج. 

بالإضافة إلى ذلك، تفرض اتفاقية حقوق الملكية الفكرية (TRIPS) قيودًا على الصناعة، مما يؤثر على تطوير وتصنيع بعض المستحضرات الطبية محليًا.

كما تواجه مصر منافسة شرسة في الأسواق الإقليمية والعالمية، تتطلب رفع مستويات الجودة والالتزام بالمعايير الدولية، إلى جانب صعوبات تسجيل الأدوية المصرية في بعض أسواق التصدير، وهو ما يستدعي تطوير آليات أكثر مرونة لتسهيل دخول المنتجات الدوائية المصرية إلى الأسواق الخارجية.

كيف تواجة مصر تحديات صناعة الدواء؟

ولمواجهة هذه التحديات، يتطلب الأمر اتخاذ خطوات استراتيجية، من بينها إعادة النظر في آليات تسعير الدواء، بحيث تعكس التغيرات المستمرة في تكاليف الإنتاج، مع العمل على زيادة مخصصات البحث العلمي والابتكار، بهدف تعزيز القدرة التنافسية للصناعة المصرية على الصعيد العالمي.

كما أن تعزيز التعاون الدولي وتوقيع اتفاقيات جديدة من شأنه أن يسهم في فتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية، خاصة عبر توحيد القواعد المنظمة لتسجيل الأدوية ضمن التكتلات الاقتصادية التي تشارك فيها مصر، مثل السوق العربية المشتركة، والكوميسا، ومنظمة التجارة الحرة الإفريقية، وتكتل البريكس، مما يسهل النفاذ إلى أسواق ذات إمكانات نمو كبيرة.

في ظل التحديات العالمية التي تواجه قطاع الأدوية، يظل التعاون العربي أحد المحاور الأساسية لتعزيز مكانة الدواء المصري، وذلك من خلال بناء صناعات دوائية تكاملية بدلاً من التنافسية، والتفاوض ككتلة عربية موحدة مع الشركات الكبرى في صناعة الدواء لتحقيق أفضل الشروط التعاقدية وضمان تدفق المنتجات الدوائية بشكل أكثر كفاءة إلى الأسواق العالمية.

نحو صناعة دوائية أكثر قوة واستدامة

صناعة الدواء في مصر

ومما لا شك فيه، تمتلك مصر المقومات التي تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا لصناعة الدواء، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب استمرار العمل على تطوير السياسات الداعمة، وجذب الاستثمارات، وتقليل البيروقراطية، بما يسهم في تعزيز نمو الصناعة وتحقيق أقصى استفادة من الإمكانات المتاحة. 

ومع استمرار الجهود الحكومية في دعم هذا القطاع، تبقى الشراكات الاستراتيجية والتكامل الإقليمي أحد العوامل الأساسية في رسم مستقبل أكثر استدامة لصناعة الدواء في مصر.