بريكس تضرب الدولار الأمريكي بهذا الإجراء
يستعد «بنك التنمية الجديد» التابع لمجموعة دول «بريكس» توسيع نطاق عملياته عبر الإقراض والتعامل بالعملات المحلية للدول الأعضاء فيه، في مسعى يستهدف تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، الذي تسبب رفع معدلات الفائدة أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة، في زيادة الأعباء على الاقتصادات بالدول النامية والفقيرة، وفي مقدمتها الدول الأفريقية.
وفي حين تتجه الأنظار إلى القمة المقبلة لدول «بريكس»، المقرر عقدها هذا الشهر في جنوب أفريقيا، التي ستنظر توسيع عضوية المجموعة، في ظل رغبة كثير من الدول الأفريقية، وفي مقدمتها مصر والمغرب والجزائر والسنغال ونيجيريا... تُطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدول الأفريقية على الاستفادة من قروض «بريكس» للتغلب على القيود التي تفرضها مؤسسات التمويل الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين، وغالباً ما تتهمها دول القارة بـ«عدم التوازن».
كان وزير مالية جنوب أفريقيا، إينوك جودو نجوانا، قد قال في مقابلة مع وكالة «رويترز»، إن بنك التنمية الجديد (NDB) الذي أنشأته دول «بريكس»، «يحتاج إلى زيادة عمليات جمع الأموال والإقراض بالعملة المحلية». وأوضح وزير المالية خلال المقابلة، أن تعزيز استخدام العملة المحلية بين أعضاء بنك التنمية الجديد «سيكون على جدول أعمال قمة دول المجموعة، بهدف الحد من تأثير تقلبات العملات الأجنبية بدلاً من إزالة الدولرة».
ومن المقرر أن تستضيف مدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية، في وقت لاحق من الشهر الحالي، قادة دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين إضافةً إلى جنوب أفريقيا)، ومن المنتظر أن تبحث القمة طلبات نحو 23 دولة تريد الانضمام إلى التجمع، بينها الكثير من الدول الأفريقية.
وفي عام 2014 دشن تجمع «بريكس» بنك التنمية الجديد برأس مال أوّلي قدره 50 مليار دولار، وانضمت إليه اقتصادات نامية وناشئة من خارج «بريكس»، إذ اكتتبت دول مثل مصر والإمارات وأوروغواي وبنغلاديش عام 2021 في أسهم البنك باستثمارات بلغت 10 مليارات دولار.
ورأت الباحثة الإثيوبية المتخصصة في مجال الاقتصاد الأفريقي، تينابيت ليجيس، اتجاه «بنك التنمية الجديد» نحو توسيع عملياته بالعملات المحلية «توجهاً إيجابياً يسهم في تخفيف الضغوط عن الاقتصادات الأفريقية وأعباء ديونها الدولارية».
وأَضافت ليجيس أن ارتفاع الدولار مقابل عملات الأسواق الناشئة منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، واتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم في أوائل عام 2022 «جعل الديون الدولارية أكثر تكلفة على البلدان النامية والفقيرة وفي مقدمتها الدول الأفريقية».
وتابعت الباحثة الإثيوبية المتخصصة في مجال الاقتصاد الأفريقي أن اتجاه البنك التابع لتجمع دول «بريكس» يمكن أن يكون «أداة أكثر ملاءمة للدول الأفريقية للتخفيف من حدة غياب العدالة التي تعانيها تلك الدول عند التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية، والتي تكيل بمكيالين في التعامل مع الدول المتقدمة ونظيراتها النامية».
وتعاني دول القارة الأفريقية من أزمة تفاقم الديون، فحسب تقديرات البنك الدولي فإن ديون بلدان القارة السمراء قُدرت بنحو تريليون دولار في 2022، وقد تضاعفت قيمة تلك الديون خمس مرات منذ عام 2000، وتتركز 66 في المائة من الديون في 9 بلدان تتصدرها جنوب أفريقيا.
في الوقت ذاته تعاني 22 دولة أفريقية من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، حسب صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن أقساط الديون البالغة نحو 100 مليار دولار سنوياً تضغط على ميزانيات الكثير من البلدان وتستقطع أكثر من 15 في المائة من الناتج الإجمالي لتلك الدول.
ويشكو معظم الدول الأفريقية من «عدم توازن وغياب للعدالة» في تعامل مؤسسات التمويل الدولي معها، وبرزت تلك الانتقادات خلال قمة «ميثاق التمويل العالمي الجديد»، التي عُقدت في باريس، خلال يونيو (حزيران) الماضي، ودعت خلالها دول أفريقية عدة إلى «تبني نظام أكثر عدالة للتمويل الدولي».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال تلك القمة إن النظام المالي العالمي «أصبح غير عادل، وفشل في حماية الدول الأكثر فقراً، وأصبح غير قادر على الاستجابة للتحديات الراهنة»، مشيراً إلى أن أوروبا حصلت على قروض من صندوق النقد أكثر بـ13 ضعفاً مما حصلت عليه أفريقيا، وطالب بالعمل على توفير قروض بفوائد قليلة للدول الفقيرة والنامية.
ويرى رامي زهدي، الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، أن توجه بنك التنمية التابع لتجمع دول «بريكس» إلى التوسع في التعامل بالعملات المحلية يمكن أن يمثل «طوق نجاة» لكثير من دول القارة التي تعاني ارتفاعاً في ضغوط الديون والتضخم نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة على الدولار الأميركي.
وأوضح زهدي أن توسيع قاعدة العضوية في البنك أو في تجمع «بريكس» يمكن أن يزيد من قدرة هذه القروض على أن توفر «بديلاً أفضل» للدول النامية وبخاصة في أفريقيا من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية التي «تضع شروطاً قاسية لتوفير التمويل دون مراعاة لطبيعة تلك المجتمعات وما تعانيه من أزمات، وغالباً ما تكون لتلك الشروط تبعات اجتماعية على المجتمعات الأفريقية».
وأضاف خبير الشؤون الأفريقية أن التعاون مع تجمع «بريكس» بات يمثل أولوية بالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية، سواء اتَّخذ هذا التعاون شكل الانضمام الرسمي الذي تسعى إليه دول وازنة في القارة مثل مصر والجزائر ونيجيريا والسنغال، أم عبر توسيع نطاق التعاون مع التجمع اقتصادياً وتجارياً، الأمر الذي يضاعف من الأهمية السياسية والاقتصادية للتجمع، سواء في القارة أم على الساحة الدولية.
ويضم تجمع «بريكس» حالياً ما يزيد على 40 في المائة من سكان ومساحة العالم، حيث يضم 5 من أكبر دول العالم مساحة وأكثرها كثافة سكانية، كما ينتج أكثر من 30 في المائة من السلع والخدمات. وكشفت إحصاءات صينية حديثة عن تفوق مجموعة «بريكس» لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدماً في العالم، وذلك بعد أن وصلت مساهمة «بريكس» إلى 31.5 في المائة من الاقتصاد العالمي، مقابل 30