كيف تستفيد أميركا من قوة الدولار؟
رغم انهيار اتفاقية "بريتون وودز" إلا أنه لم يزعزع قوة الدولار، فحتى يومنا هذا، يعتبر العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، ما أدى إلى زيادة الطلب على السندات الأميركية، وسمح للبلاد بإدارة عجز هائل في التجارة والميزانية.
كما تسمح مركزية العملة في نظام المدفوعات عالميا لأميركا بممارسة تأثير فريد على المصير الاقتصادي للدول الأخرى. فحوالي 88% من جميع معاملات الصرف الأجنبي عالمياً، حتى تلك التي لا تتعلق بالولايات المتحدة أو شركات أميركية، تتم بالدولار، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن بنك التسويات الدولية.
ونظراً لأن البنوك التي تتعامل مع التدفقات الدولارية عبر الحدود تحتفظ بحسابات لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فهي عرضة للعقوبات الأميركية.
ورغم أن حملة العقوبات المالية ضد روسيا تعد أحدث وأبرز مثال على ذلك إلا أنها ليست الوحيدة، حيث استخدمت كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية العقوبات ضد دول مثل ليبيا، وسوريا، وإيران، وفنزويلا في السنوات الأخيرة.
وأدرجت إدارة بايدن نحو 1151 كياناً وفرداً جديدا ًسنوياً في قائمة العقوبات الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن مركز البحوث الاقتصادية والسياسية، ارتفاعاً من 975 في المتوسط خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، و544 خلال فترة ولاية الرئيس الأسبق أوباما الأولى.
قال جوناثان وود مدير القضايا العالمية لدى شركة "كنترول ريسكس" (Control Risks) الاستشارية: "على مدار عدة عقود شعرت الدول بالغضب إزاء هيمنة الدولار الأميركي. كما أن الاستخدام الأكثر عدوانية واتساعاً للعقوبات الأميركية في السنوات الأخيرة فاقم هذا الانزعاج، ويتزامن ذلك مع مطالب الأسواق الناشئة الرئيسية بتوزيع جديد للقوة العالمية".
لا بديل إلي الآن
أشارت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية، في حوار مع "بلومبرغ"، إلى التعليقات التي أدلت بها الوزيرة جانيت يلين إلى "سي إن إن" منتصف أبريل الماضي، وأقرت فيها أن "استخدام العقوبات المالية المرتبطة بدور الدولار تشكل خطراً كبيراً، ويمكن أن تقوض هيمنة العملة الأميركية بمرور الوقت".
لكنها أشارت إلى أن الدولار "يُستخدم كعملة عالمية لأسباب يصعب على الدول الأخرى إيجاد بديل لها بنفس الخصائص".
ويوافقها في هذا الرأي مراقبو السوق، فرغم تطلع كثير من الدول إلى تقليص اعتمادها على الدولار، إلا أن قليل منها فقط تتوقع تهديد ذلك لدوره البارز في التجارة والتمويل العالمي على المدى القريب.
على سبيل المثال، لا تتوافر دلائل كثيرة على أن أي عملة أخرى يمكن أن توفر نفس مستوى الاستقرار والسيولة والأمان، كما يقول المراقبون.
علاوة على ذلك، فإن الغالبية العظمى من حلفاء الولايات المتحدة في بلدان الاقتصادات المتقدمة، التي تشكل أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي عالمياً، لم تُظهر اهتماماً كبيراً في التحول بعيداً عن الدولار.
في الواقع، ارتفع الدولار مقابل الجزء الأكبر من العملات الرئيسية منذ تصعيد الولايات المتحدة عقوباتها ضد روسيا العام الماضي، وهو ما يرجح أن أي ضعف في وضع الدولار عالمياً سيكون بطيئاً ويستغرق وقتاً طويلاً.
في هذا الشأن يقول جورج بوبوراس، المحلل المخضرم في الأسواق منذ ثلاثة عقود ورئيس الأبحاث لدى " كيه تو أسيت مانجمنت" ( K2 Asset Management) في ملبورن: "لا أتوقع أن يحل أي أصل مكان الدولار كعملة عالمية مهيمنة خلال الجيل القادم. ولا يوجد اقتصاد يضاهي قوة أميركا. فالصين تواجه مشكلات بسبب شيخوخة السكان، واليورو يكافح لتحقيق مكاسب حقيقية. لذا؛ سيحافظ الدولار على مركزه خلال المستقبل المنظور".