مسألة وقت.. إزاحة الدولار الأمريكي من المشهد الاقتصادي..فما الأسباب ؟
سجلت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي خلال العام الماضي 2022 تراجعاً بنسبة 0.44 بالمئة، مُسجلة 58.36 بالمئة من تلك الاحتياطيات، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي تشير إلى أن ذلك المستوى هو الأدنى منذ العام 1995 على الأقل.
تأتي تلك البيانات التي أوردها الصندوق في تقريره الأخير، في وقت تتسارع فيه خطوات عديد من الدول والتكتلات إلى الحد من هيمنة الدولار على التعاملات التجارية حول العالم؛ سواء من خلال التوجه نحو التعامل بالعملات الوطنية للدول على الصعيد الثنائي، أو من خلال إطلاق عملات جديدة، وبما يسهم في تعريض العملة الخضراء لتحديات مستقبلية واسعة تتجدد معها التساؤلات بشأن ما إن كان العالم سوف يشهد بداية النهاية لهيمنة الدولار في ضوء تلك التطورات.
صراعات ملتهبة
ولا يُمكن فصل هذه الحالة عن سياقات الصراعات الملتهبة التي يشهدها العالم وجملة التطورات الجيوسياسية، وكذلك الصعود الصيني الذي يشكل صداعاً في رأس الولايات المتحدة الأميركية، ودعوات روسيا رفقة الصين لنظام عالمي مُتعدد الأقطاب دون الهيمنة الأميركية المنفردة، فضلاً عن الأصوات الأوروبية المناوئة للتبعية للولايات المتحدة.
تقرير صندوق النقد الدولي الأخير كشف عن أن "العملات غير الاحتياطية أصبحت المستفيد الرئيسي؛ بعد أن قفزت حصتها إلى الحد الأقصى منذ منتصف العام 2012"، وذلك بعد أن سجلت حصة الدولار باحتياطيات النقد الأجنبي تراجعاً عند أدنى مستوى منذ 27 عاماً.
كسر هيمنة الدولار
الخبير الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز، الدكتور أنور القاسم، يقول "يبدو أنه لا مفر في نهاية المطاف من كسر هيمنة الدولار كعملة احتياطية في العالم تُستخدم على نطاق واسع في التجارة العالمية.
ويلفت إلى عددٍ من الشواهد التي تقود بدورها "البداية القوية للحد من هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي لصالح عملات ناهضة مثل الصين وروسيا"، على النحو التالي:
الصين وروسيا والهند والبرازيل يضغطون بقوة من أجل تسوية التجارة الدولية بعملات غير الدولار.
روسيا وإيران تعملان معاً على تطوير عملة مشفرة مدعومة بالذهب، يمكن أن تحل محل الدولار في المدفوعات الخاصة بالتجارة الدولية.
تتطلع الصين إضعاف الدولار عن طريق جعل اليوان بديلاً عنه في صفقات النفط، في ضوء زيادة تجارتها مع روسيا بعد حربها مع أوكرانيا.
يبدو أن هذه الخطوة تقضي على نظام البترودولار المعمول به منذ السبعينات
البرازيل والأرجنتين تستعدان لإطلاق عملة مشتركة، تسمى Sur أي جنوب، يمكن أن تصبح في نهاية المطاف مشروعاً شبيهاً باليورو تتبناه كل أميركا الجنوبية.
كما أن الإمارات والهند تتبنيان إجراء تجارة غير نفطية بالروبية، تهدف إلى تعزيز التجارة باستثناء النفط بين البلدين إلى 100 مليار دولار.
دول بريكس الناهضة بقوة تبدو أكثر ميلاً للاستقلال عن الدولار أيضاً.
نزاعات
ويضيف القاسم: "الدولار الآن ومن ورائه يتحسسون سلطته الاقتصادية والسياسية المهيمنة، وقد نشهد نزاعات كبيرة كي يحافظ على مكانته التي تعطي الولايات المتحدة ميزات نادراً ما تحصل لدولة وحيدة لطالما ساعدتها على الهيمنة الدولية".
ويختتم الخبير الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز، حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بقوله: صافرة الإنطلاق انطلقت، لكن المشوار معقد وشائك جداً، وقد تكون دونه كوارث عالمية متنوعة.
ومنذ أن حل الدولار محل الإسترليني بصدارة عملات الاحتياطي العالمي (بموجب اتفاق بريتون وودز بنهاية الحرب العالمية الثانية)، بزغت عديد من المحاولات المرتبطة بكسر هيمنة العملة الأميركية في فترات مختلفة، فقد سعت على سبيل المثال دول أميركا اللاتينية للابتعاد عن الدولار في الثمانينات التسعينات.
دعوات أوربية
وتُضاف إلى تلك العوامل كذلك دعوات أوروبية لتقليص الاعتماد على العملة الخضراء، آخرها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على متن طائرة العودة من الصين في زيارته الأخيرة لبكين والتي استغرقت ثلاثة أيام، والتي شدد خلالها على ضرورة ألا تصبح أوروبا تابعة للولايات المتحدة، داعياً الدول الأوروبية إلى تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي خارج الحدود الإقليمية.
يأتي ذلك في خطٍ متوازٍ مع توقعات غير مُبشرة بالنسبة للولايات المتحدة بشأن انكسار هيمنة الدولار في غضون سنوات، من بينها تقديرات الملياردير الأميركي ستانلي دراكينميللر، والذي يعتقد بأن العملة الخضراء قد لا تصبح عملة الاحتياط العالمية الرئيسة في غضون 15 عاماً.
تراجع الدولار
وكان أستاذ الاقتصاد السياسي ناصر قلاوون، أن الوضع الحالي يشير إلى أن الدولار إلى تراجع، لكن لا يمكن القول بأن الدولار سيختفي أو يتراجع أو أن يكون ضعيفاً في الـ 20 سنة المقبلة (..)، موضحاً أن الأرقام المرتبطة باحتياطيات البنوك المركزية من الذهب والدولار والعملات الصعبة (اليورو تحديداً) تؤكد استحواذ الدولار على نسبة أكثر من 58 بالمئة.
ويلفت إلى أن تراجع حصة الدولار من 71 بالمئة في وقت سابق إلى 58 بالمئة يشكل بالطبع تحدياً كبيراً، مشدداً على أنه "إذا قررت كتل صناعية كبرى -وليست فقط على صعيد المعاملات الثنائية على أهميتها بالطبع- أن تعتمد اليوان في المعاملات الرسمية فإن هذا الأمر يشكل تحدياً بالنسبة للولايات المتحدة.. على سبيل المثال إذا قررت أوبك بلس ذلك الأمر، وهو ما يشرح النفوذ الصيني المتزايد والمفهوم بأن الصين هي المصنع رقم واحد في العالم".