الإثنين 20 مايو 2024
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
تحليل

التاريخ المنسي .. تداعيات انهيار أكبر بنك أمريكي في 1930

السبت 25/مارس/2023 - 01:23 ص
بانكير

الإغلاق الأخير لبنك وادي السيليكون لديه بعض أوجه التشابه المثيرة للاهتمام مع فشل حدث منذ أكثر من 90 عاما. في عام 1930، يعتقد على نطاق واسع أن انهيار بنك الولايات المتحدة الذي يحمل اسما لافتا للنظر ولم يكن كيانا حكوميا كان محفزا رئيسا في تحويل ركود عام 1929 إلى ما أصبح الكساد العظيم الأكثر خطورة.

كتب الاقتصاديون، بمن فيهم ميلتون فريدمان وآنا شوارتز وبن برنانكي، أن فشل الاحتياطي الفيدرالي في دعم بنك الولايات المتحدة كانت له عواقب وخيمة وغير مقصودة على الاقتصاد الوطني والنظام المصرفي ومستقبل القواعد التنظيمية.
ما الذي كان يمثله بنك الولايات المتحدة؟ رغم أنه غير معروف اليوم، إلا أنه كان عام 1930 أكبر بنك تجاري في الولايات المتحدة من حيث الودائع والعملاء. كان يمتلك مدخرات تزيد على 268 مليون دولار، ولديه أكثر من 440 ألف مودع. وخدم بشكل أساس مجتمعات المهاجرين الكبيرة في مدينة نيويورك، وقدم خدمات مختصة من ضمنها المترجمون، والقروض للشركات الصغيرة، وساعات طويلة لعملاء الطبقة العاملة، والقدرة على تحويل الأموال إلى الخارج.

كان بنك الولايات المتحدة من بين البنوك الأولى التي فتحت حسابات للنساء والأمريكيين من أصل إفريقي. ريبيكا كوبرين، أستاذة التاريخ في جامعة كولومبيا، كتبت بإسهاب عن الدور الخاص الذي لعبه بنك الولايات المتحدة في تسهيل الأنشطة التجارية للجيلين الأول والثاني من المهاجرين. كان هؤلاء بشكل أساس من أوروبا الشرقية وإيطاليا، رغم أن المملكة المتحدة وأيرلندا والدول الاسكندنافية كانت ممثلة أيضا.
عندما بدأ البنك يتعثر، جادل المسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وقادة المؤسسات المالية المهيمنة في المدينة ضد مساعدته. حدث هذا رغم مساعدة كثير من المؤسسات الأخرى في الأسابيع التي سبقته، مثلما فعلوا أيضا في أوائل العشرينيات من القرن الماضي.

وفقا للبروفيسورة كوبرين، أسباب عدم توفير السيولة تشمل المشاعر المناهضة للهجرة. وكانت هناك أيضا حجة غير صحيحة مفادها أن الفشل ستكون له عواقب محلية فقط. في النهاية، كان البنك يعاني قلة في السيولة ولم يكن يواجه إعسارا، وحصل المودعون في النهاية على 93 سنتا لكل دولار. لكن الضرر الاقتصادي وقع.

من الصعب الكتابة بشكل قاطع عن بنك وادي السيليكون لأن هذا الوضع لا يزال قيد التطور. لكن ربما يمكن استخلاص بعض أوجه التشابه. أولا، ركزت كلتا المؤسستين أعمالها على مجموعة محددة بوضوح ومكثفة من العملاء. بنك وادي السيليكون يعرف عملاءه جيدا، فهو يقدم خدمات تجذب مجتمع رأس المال المغامر ورواد الأعمال في مجال التكنولوجيا.
قبل قرن من الزمان، انجذب عملاء بنك الولايات المتحدة إلى الخدمات المصممة خصيصا لسكان من المهاجرين وإلى الاسم غير المعتاد (للبنك) الذي أوحى باستقرار كبير. لكنه كان ضعيفا من حيث التنوع، وكان جميع عملائه تقريبا موجودين في مدينة نيويورك. وكانت العقارات مسيطرة على القروض التي أنشأها: بلغت نحو 45 في المائة مقارنة بـ12 في المائة في بنوك أخرى مقرها نيويورك. وتوسع بشكل مفرط، في كثير من الأحيان دون إفصاحات محاسبية مناسبة لعمليات الاستحواذ.

ثانيا، لم يتم تقدير الدور الحاسم الذي تلعبه كل مؤسسة في الاقتصاد الأوسع بشكل كامل. فلم يقتصر بنك وادي السيليكون على الجغرافيا التي يوحي اسمه بها، ولم يكن تأثير بنك الولايات المتحدة مقيدا بجذوره في مدينة نيويورك. فإضافة إلى التأثيرات في الاقتصاد الأمريكي الأوسع، أدى فشل بنك الولايات المتحدة إلى إيجاد مشكلات للمؤسسات في أوروبا وآسيا، التي استخدمت تسهيلاته لتحويل الأموال وإنشاء خطوط ائتمان.

ثالثا، من الصعب توقع النتائج التنظيمية والتشريعية اللاحقة. يعتقد أن الضرر الكبير الذي أحدثه إغلاق بنك الولايات المتحدة كان له تأثير كبير فيى حاكم ولاية نيويورك آنذاك، فرانكلين ديلانو روزفلت. فعديد من التغييرات التي سنتها إدارته عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة ابتداء من عام 1933، كانت توفر على الأقل بعض الإغاثة خلال الأيام المظلمة لإخفاقات البنوك في وقت مبكر من الكساد العظيم. في نهاية المطاف، تلقى المودعون الحماية القانونية، وتم تعزيز طواقم موظفي فحص البنوك، وتشجيع التنويع في قاعدة الودائع ومحافظ القروض.

لا يزال بنك وادي السيليكون في حالة تفكيك، وستستغرق التداعيات بعض الوقت حتى يتم فهمها بالكامل. ومن المؤكد أن المنظمين والكونجرس لديهم كثير ليقولوه ويفعلوه. مثلا، هل سيكون هناك تحرك نحو تنظيم أكثر قوة مثلما حدث في الثلاثينيات؟ في غضون ذلك، يتم تذكيرنا أن النظام المصرفي يعتمد بشكل كبير على ثقة المشاركين فيه. الشفافية وتدفق المعلومات الموثوقة عنصران حاسمان في ذلك.
نقلاً صحفية الاقتصادية