رؤية وتحليل|مستقبل الجنيه ما بين الـ 26 و الـ32.. ماذا يخبأ البنك المركزي المصري
شهد الجنيه المصري حالة من التذبذب في الفترة الأخيرة قبل أن يستقر عند مستويات 29.84 جنيه للشراء و 29.94 جنيه للبيع ومن هنا تباينت توقعات المؤسسات المالية الدولية حول مستقبل الجنيه المصري في الفترة المقبلة ، وتري بعض المؤسسات أن الجنيه سيشهد تحسناً ملحوظاً في الفترة المقبلة ليسجل 26 جنيه منتصف العام الجاري ، بينما يري البعض الآخر تراجع الجنيه ليصل إلى 32 جنيه ، ومن هنا يتسال الكثيرين ماذا يخبأ لنا البنك المركزي وسعر الصرف في الفترة المقبلة ؟
اجتماع هام للبنك المركزي المصري
الأسبوع القادم يعد مهمًا جدًا لتحركات الجنيه الفترة القادمة، حيث يتخذ المركزي المصري قرار الفائدة يوم الخميس القادم، بعد يوم واحد من قرار فائدة الفيدرالي الأمريكي، وذلك لأن رفع الفائدة غالبًا ما يتزامن مع حدوث انخفاضات في العملة، خاصة في مصر، وهو ما حدث في التعويمات السابقة.
استطلاع راي حول سعر الفائدة
أظهر استطلاع للرأي أجراه موقع بانكير عن احتمالية كبري أن يقوم البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة بنسبة تتراوح ما بين 1% إلي 2% في الاجتماع المقبل المقرر له يوم الخميس المقبل.
وتعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي أول اجتماع لحسم مصير الفائدة خلال هذا العام يوم الخميس 2 فبراير المقبل، وهو ما يأتي بعد رفع الفائدة بالبنك بمجموع 8% خلال العام الماضي كان آخرها 3% دفعة واحدة في 22 ديسمبر الماضي ليصل سعر الفائدة لدى البنك (كوريدور) إلى 16.25% للإيداع، و17.25% للإقراض.
وقال 7 من 10 خبراء و محللين ماليين أن البنك المركزي المصري من المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل خاصه مع ارتفاع معدلات التضخم ، حيث يسعى المركزي لكبح جماح التضخم.
وارتفع معدل التضخم الأساسي المعد من جانب البنك المركزي ارتفاعا من 21.5% في شهر نوفمبر الماضي إلى 24.4% في ديسمبر الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ نحو 5 سنوات.
وأيضا ارتفع التضخم السنوي في المدن خلال شهر ديسمبر الماضي إلى 21.3% مقابل 18.7% في نوفمبر الماضي، فيما سجل على مستوى الجمهورية 21.9% مقابل 19.2%، بحسب بيان من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في وقت سابق من الشهر الجاري.
من جانبهم توقع الثلاثة الآخرين ممن شملهم استطلاع الراي أن يبقي البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير.
وأعلن البنك المركزي المصري، في تقرير لجنة السياسة النقدية الشهر الماضي، استهداف متوسط تضخم نزولي لتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط، بنهاية 2026 بعد تجاوز معدل التضخم المستهدف السابق 7% بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الأخير من عام 2022.
وحدد البنك المركزي المصري مستهدفات جديدة لمعدلات التضخم عند 7٪ (±2٪) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، مستهدفا تراجعه إلى 5% (±2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
وقال الخبراء أن أن انعكاس رفع المركزي للفائدة على دخول الاستثمارات غير المباشرة إلى مصر سيظهر بناءً على تأكيد صندوق النقد الدولي التزام مصر بسعر صرف مرن، وبدء اتجاه الدولار لمستوى عكسي والوصول لسعر توازني أي الاتجاه للانخفاض أمام الجنيه، بالإضافة إلى تأثير تحركات البنك المركزي الأمريكي.
البنك المركزي المصري.. قرار أسعار الفائدة هذا الأسبوع
كشف توقعات صادرة عن وكالة رويترز، يوم الأربعاء 25 يناير، قبل أيام قليلة من توقف شهادات ذو الفائدة 25% في بنوك مصر والأهلي والقاهرة، بتراجع أسعار الفائدة في مصر على الإقراض لليلة واحدة من حدود الـ 17.25% إلى 15% مع حلول نهاية شهر يونيو المقبل.
وأشار التقرير الذي أجرته الوكالة وشمل 18 خبيرا اقتصاديا خلال الفترة الممتدة من التاسع حتى أمس الثلاثاء 24 يناير، إلى وصول معدلات العائد على الإقراض عند 9.75% مع حلول يونيو من 2026.
وقال مدير وحدة أدوات الدين بشركة "نير للاستشارات"، محمد النجار، إن الحكومة المصرية قد تنجح في الاقتراض من أسواق الدين العالمية خلال الفترة المقبلة، بأسعار تنافسية ومناسبة، بعد موافقة صندوق النقد الدولي على إقراضها.
وأشار التقرير الذي أجرته الوكالة وشمل 18 خبيرا اقتصاديا خلال الفترة الممتدة من التاسع حتى أمس الثلاثاء 24 يناير، إلى وصول معدلات العائد على الإقراض عند 9.75% مع حلول يونيو من 2026.
وقال مدير وحدة أدوات الدين بشركة "نير للاستشارات"، محمد النجار، إن الحكومة المصرية قد تنجح في الاقتراض من أسواق الدين العالمية خلال الفترة المقبلة، بأسعار تنافسية ومناسبة، بعد موافقة صندوق النقد الدولي على إقراضها.
وأضاف النجار، أن معدل الفائدة على الاقتراض الخارجي من المرجح أن يكون في حدود 6 - 6.5% وهي معدلات مناسبة للتغيرات العالمية في الوقت الحالي.
وتابع: "أتوقع استمرار المركزي المصري في زيادة أسعار الفائدة لتصل إلى مستوى 20% في الربع الأول من العام الجاري 2023".
فجوة تمويلية.. هبوط الجنيه نحو الـ 32
قالت المحللة الاقتصادية في "أكسفورد إيكونوميكس إفريقيا" كالي ديفيس، إن الفجوة التمويلية لمصر ستكون أكبر بكثير من تقديرات صندوق النقد الدولي وستصل إلى 20 مليار دولار خلال عام 2023 فقط.
"كما نعتقد أن خدمة الدين الخارجي ستكون أعلى من تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، وذلك لأن الصندوق يبدو وأنه يستثني الدفعات قصيرة الأمد، إذا تقديراتنا أعلى بكثير".
وتوقعت ديفيس، استمرار تراجع الجنيه المصري ليصل الدولار إلى 32 جنيهاً مع نهاية عام 2023.
وقالت: "إن الجنيه المصري يتجه إلى آلية سعر الصرف العائم خاصة أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر أكد أن البنك المركزي لم يتدخل في أسواق الصرف منذ أكتوبر، فيما جاءت الموجة الأخيرة من تراجع سعر صرف الجنيه في يناير نتيجة الإفراج عن بعض البضائع المكدسة في المواني، وهو ما أدى إلى السحب من احتياطيات العملات الأجنبية، والذي أدى إلى ضعف الجنيه المصري.
وأضافت أن العملة المصرية معرضة لمزيد من التراجع في المستقبل خاصة إذا تعرضت الاحتياطيات الأجنبية لمزيد من الضغط، وهو ما سيحد قدرة البنك المركزي للتدخل في أسواق الصرف.
وتري إن الجنيه المصري يتجه إلى آلية سعر الصرف العائم خاصة أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر أكد أن البنك المركزي لم يتدخل في أسواق الصرف منذ أكتوبر، فيما جاءت الموجة الأخيرة من تراجع سعر صرف الجنيه في يناير نتيجة الإفراج عن بعض البضائع المكدسة في المواني، وهو ما أدى إلى السحب من احتياطيات العملات الأجنبية، والذي أدى إلى ضعف الجنيه المصري.
أرى أنه طالما أن عدم اليقين حيال العملة المصرية مستمر، فإن المستثمرين الأجانب سيبقون مترددين إلى حد ما في الاستثمار في الأصول المالية الصادرة عن الحكومة المصرية على الأقل لحين تأكدهم بأن هذه الأصول ستحافظ على قيمتها، ولن تتراجع مقابل الدولار.. فهذا خطر مستمر للأسواق
مستويات الـ 26.. هل تتحقق؟
وفقًا لمسح أجرته وكالة رويترز الإخبارية بشأن الاقتصاد المصري وسعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية شمل خبراء اقتصاديين، من المتوقع أن يصعد الجنيه المصري أمام الدولار بحلول يونيو المقبل ليصل إلى مستويات الـ 26 جنيه للدولار الواحد.
وتوقّع الخبراء أن تتجاوز معدلات نمو الاقتصاد المصري التوقعات.
وتوقّع الخبراء الاقتصاديون أن يرتفع الجنيه المصري، الذي أغلق عند 29.82 اليوم مقابل الدولار إلى 26.24 أمام الدولار بنهاية يونيو 2023، لكنه سينخفض مرة أخرى إلى 28.50 بحلول يونيو من العام التالي 2024.
وتوقع الاستطلاع أن يرتفع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن إلى 13.4٪ في 2022/23 و 16.6٪ في العام التالي، قبل أن يستقر عند 8.8٪ في 2024/25.
وهذا من شأنه أن يضعها مرة أخرى ضمن النطاق المستهدف للبنك المركزي وهو خمسة في المائة - تسعة في المائة.
ما سر استقرار الجنيه الفترة الماضية؟
كشف تقرير حديث لبنك "جولدمان ساكس " أن هناك عددا من الأسباب وراء انخفاض سعر صرف الدولار في السوق المصري، أولها زيادة المعروض بفضل الشهادات مرتفعة العائد التي أعلنت عنها البنوك التابعة للحكومة المصرية بعائد سنوي يبلغ نحو 25%، إضافة إلى زيادة إيرادات السياحية.
ومن الأسباب أيضاً نمو حصيلة التحويلات، بجانب تراجع الطلب على العملة الأجنبية بسبب انخفاض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، ورفع أسعار الفائدة، واستمرار حالة عدم اليقين بشأن الأداء الاقتصادي على المدى القريب.
ووفقًا للمذكرة، فإن الأسباب تتضمن أيضاً زيادة الثقة في العملة المصرية مع إتمام برنامج التمويل مع صندوق النقد الدولي، فضلا عن العمل على الإفراج عن البضائع في الموانئ المصرية، وإبطاء وتيرة الاستثمار الحكومي في بعض المشروعات القومية.
لكن في المقابل، أشار بنك الاستثمار الأميركي إلى استمرار وجود قيود على استخدام النقد الأجنبي بالشكل الذي يشير إلى أن هناك طلبا غير ملبى ولذلك يوجد سوق موازٍ بأسعار أعلى من أسعار الصرف في السوق الرسمية.
وأشار التقرير إلى أن مصر أحرزت تقدما كبيرا في إصلاح سعر الصرف، لكن السوق لم يصل لمرحلة التوازن بعد.
لماذا لجأت مصر للتعويم؟
تلجأ الدول لتعويم عملتها المحلية بشكل عام بفعل زيادة الضغط عليها وتراجع الإيرادات الدولارية للدولة، أو الرغبة في تنشيط الاقتصاد المحلي عن طريق فتح السوق للمستثمرين الأجانب والحفاظ على مصالحهم، وإعادة التوازن في موازين الدولة التجارية والحد من العجز بها، كما تخفض الدول عملاتها بهدف زيادة موارد النقد الأجنبي من أنشطة رئيسية مثل الصادرات والاستثمارات الخارجية المباشرة والسياحة.
كما تلجأ لهذا الخيار الصعب عند الأزمات المالية، والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة واضطرابات أسواق الصرف، بغية تخفيض نسبة العجز المالي، والحد من استنزاف النقد الأجنبي من الخزينة، لكن شريطة أن يكون مؤشر ناتجها المحلي قوياً.
ويقول الخبراء إن نتائج تعويم سعر العملة تتمثل في حدوث قفزات في أسعار السلع، خصوصا المستوردة، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء، وتآكل القدرة الشرائية للمواطن، وزيادة معدلات الجوع والفقر والبطالة، وانهيار في قطاع الصناعة.
وسمح البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه 4 مرات منذ نوفمبر 2016، وذلك باتفاق مع صندوق النقد الدولي، منها مرتان خلال 2022، مارس واكتوبر، ومرة بداية العام الحالي، واسفرت التعويمات الثلاثة التي جرت منذ مارس 2022 عن زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه بنسبة تزيد عن 90%.
وكان العام 2022 قاسياً على الجنيه المصري، حيث بدأ الجنيه في التهاوي من 15.75 جنيه للدولار بداية العام، إلى 18 جنيه بعد قرار البنك المركزي بالتعويم الأول في مارس ليفقد 15% من قيمته، كما خضع لتعويم ثان في أكتوبر من نفس العام ليفقد الجنيه 57% من قيمته ويسجل 24.7 جنيه.
ثم خضع الجنيه للتعويم مجدداً في يناير 2023 في إطار تفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار خلال السنوات الأربع القادمة، وبموجب الاتفاق التزمت الحكومة المصرية بتعويم جديد للجنيه -التعويم الرابع- ليصل لأدنى مستوى ويسجل 32 جنيه للدولار، قبل أن يتحسن قليلاً إلى 29.6 جنيه للدولار.
فخ الأموال الساخنة.. هل لها دور في استقرار الجنيه؟
يستعد مستثمرو الأسواق الناشئة للعودة إلى سوق الديون المحلية في مصر، حيث يغريهم الجنيه الأرخص والعوائد القياسية مقارنة بأقرانهم، وذلك وفقًا لوكالة بلومبرغ.
والأموال الساخنة هي أموال مستثمرين ومؤسسات أجنبية يبحثون عن عوائد مالية مرتفعة جدا عبر استثمارات قصيرة الأجل في السندات بكل أنواعها والودائع المصرفية وغيرها.
وعن موقف الحكومة المصرية من الأموال الساخنة، كان وزير المالية المصري محمد معيط قد صرح في أواخر يونيو الماضي بأن "الدرس الذي تعلمناه هو أنك لا يمكنك الاعتماد على هذا النوع من الاستثمار، إنه يأتي فقط للحصول على عوائد مرتفعة، وما إن تحدث صدمة حتى يغادر البلاد".
الجدير بالذكر أن مصر اعتمدت على هذه الأموال بشكل كبير بعد وصولها لاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر 2016، وتأرجحت قيمتها ما بين 14 مليار دولار و30 مليارا، إلا أنه بعد الحرب الروسية على أوكرانيا خرجت هذه الأموال من مصر بشكل كبير، حيث قدرت قيمتها بنحو 22 مليار دولار، وهو ما أحدث فجوة كبيرة في ميزان المدفوعات المصري للعام المالي 2021-2022.
وكان لهذه الأموال دور كبير في استقرار سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية لفترة طويلة، إلا أن ذلك لم يكن بلا ثمن، فقد تم دفع أعباء الفوائد على هذه الأموال بأعلى سعر فائدة في العالم آنذاك، وهو ما ساهم في تضخيم فاتورة أرباح الاستثمارات الأجنبية بمصر.
إلا أن عددًا من التقارير أفادت بعودة صناديق الاستثمار الأجنبية للعمل في أذونات الخزانة، وأن بعضها ضخ بالفعل ملايين الدولارات عبر البنوك المصرية، لشراء هذه الأذونات التي تجاوز سعر الفائدة عليها سقف 21%، وهو ما حقق استقرارًا في سعر الصرف خلال الأيام الماضية.
وتضع الأموال الساخنة الاقتصاد بشكل عام تحت ضغط حركة هذه الأموال التي تبحث عن أي زيادة في سعر الفائدة في العالم وتتجه إليه، وقد حدث ذلك عندما ارتفعت أسعار الفائدة في تركيا ونيجيريا والأرجنتين وأمريكا، حيث خرجت تلك الأموال من مصر آنذاك واتجهت لهذه الدول.
بجانب أن الاستمرار في استخدام هذه الأموال في المحافظة على استقرار سعر الصرف أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي، يجعل تلك المؤشرات غير معبرة عن حقيقة أداء الاقتصاد المصري، لأن الأصل أن يكون استقرار سعر الصرف أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي من موارد ذاتية، وليس من ديون الأموال الساخنة.
غير أن الأموال الساخنة تزيد من أعباء المديونية العامة لمصر لفترات طويلة، وتربك وضع الموازنة العامة للدولة، حيث إن فاتورة فوائد الديون تشكل مكونات الإنفاق العام.