الجنيه المصري في رحلة البحث عن الذات.. ماذا قالت المؤسسات الدولية عن أداء ومستقبل العملة المصرية ؟
شهد الجنيه المصري تراجعات كبيرة جعلته يدخل ضمن قائمة أسوأ العملات أداءً خلال العام الماضي بيد أن التراجع الكبير الذي شهده أمام الدولار، كان سببه بشكل مباشر تحرير سعر الصرف، تنفيذا لتوصيات صندوق النقد.
والجدير بالذكر أيضًا أن الأزمة نفسها بدأت عندما تخارجت الأموال الساخنة من الاقتصاد المصري لتتجه نحو الفيدرالي الأمريكي بعد رفعه للفائدة بوتيرة شديدة العام الماضي، وهو ما تسبب في أزمة شح بالدولار في مصر.
ماذا عن التعويم الخامس؟
قال الخبير الاقتصادي هاني جنينة، إن السوق ما زالت تشهد حالة من التذبذب وعدم الاستقرار حتى الآن، على الرغم من وجود تدفقات دولارية خلال الفترة المقبلة، أولها ما يتعلق بالشريحة الأولى من صندوق النقد الدولي، مرجحاً أن يصل إجمالي التمويلات إلى 2 مليار دولار.
"ما يحدث من ارتفاع في سعر الدولار خلال الوقت الحالي ليس تعويما خامسا، لكن استكمالا للتعويم الرابع الذي حدث خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الماضي". قال جنينة.
وأضاف جنينة: أن ما يحدث في سعر صرف الدولار في الوقت الحالي، ما هو إلا سعر صرف مرن حقيقي يخضع لآليات العرض والطلب، متوقعًا: أن يستمر سعر صرف الدولار في الارتفاع خلال الأسابيع القادمة ليستقر بين 28 و30 جنيها، لكن مع بدء وصول التدفقات الدولارية سيتراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
مسار سعر الصرف
يقول بعض المحللين إن من المؤشرات الرئيسية التي يجب البحث عنها لاستكشاف مسار سعر الصرف في الفترة المقبلة، هو مدى لجوء المستثمرين والأسر لاستخدام الدولار في شراء الجنيه المصري بمعدلاته المنخفضة الحالية، في إشارة إلى أنهم يعتقدون أن هبوط العملة ربما يكون قد وصل إلى أقصى حد.
وقال فاروق سوسة من بنك جولدمان ساكس، في تقرير لوكالة رويترز: "عندما يبدأ مستثمرو المحافظ في العودة، هذه هي اللحظة التي يكون فيها السوق قد أصدر حكمه (فيما يتعلق بحدوث) التوازن. لكن لا توجد طريقة مباشرة لمراقبة التوازن".
وقالت مونيكا مالك، الخبيرة الاقتصادية في بنك أبوظبي التجاري، إنها لا تزال ترى المزيد من المخاطر على العملة بعد التراجع الأخير.
وأضافت: "قد لا يكون هذا بحد ذاته كافيا لإعادة رأس المال الخاص إلى أن تظهر دلائل على تراجع التكدس المتراكم على طلب العملات الأجنبية، الأمر الذي يتطلب سيولة جديدة بالدولار الأميركي.".
ما أسباب إضعاف الجنيه؟
قالت علياء مبيض كبيرة الاقتصاديين في "جيفريز إنترناشونال"، في مقابلة صحفية: "إن الجنيه المصري بدأ يتأثر بالعرض والطلب والتفاوت بينهما، وإن كل المؤشرات لا تزال تشير إلى أن الطلب على الدولار يفوق العرض رغم التحسن في الصادرات خاصة لجهة الغاز والإيرادات السياحية".
وأشارت إلى أن مصر تشهد تراجعا في عجز الميزان الجاري، وهذا أمر إيجابي على المدى الطويل، لكن على المدى القصير هناك نقص في النقد الأجنبي الذي لا يوازي الطلب على الاستيراد، لذلك ستستمر قوة الطلب على الدولار.
وتابعت: "من هنا جاءت الحاجة إلى إضعاف الجنيه لأن المركزي المصري ليس لديه احتياطيات كافية للدفاع عن العملة، بالتالي من المهم الوصول إلى مستوى التوازن الذي سيتغير وفقا للتدفقات المالية التي سيشهدها الاقتصاد المصري".
هل ينخفض الجنيه مرة أخرى؟
قالت ياسمين غزي المحللة الاقتصادية الأولى في "إس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس" بلندن، إن مصر تواجه عددًا من التحديات بينها التضخم، الفجوة التمويلية، التزام مصر بسياسة سعر صرف مرن، وتعهد الحكومة بتخفيض دورها في الاقتصاد.
وتوقعت مقابلة مع تلفزيون "الشرق بلومبرج"، حدوث المزيد من الخفض لسعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الفترة المقبلة، وهو ما يبرر ارتفاع عقود مخاطر الائتمان.
وأكدت أنه حال التعامل مع التحديات التي ذكرتها بالطريقة المناسبة، سيتمكن الاقتصاد من استقطاب استثمارات أجنبية يجابه بها أكبر أزمة صرفًا يواجهها منذ سنوات.
تداعيات الأزمة.. سعر صرف مرن؟
طالب صندوق النقد الدولي مصر ببعض الشروط من أجل الموافقة على القرض الأخير، وكان أهم هذه الشروط هي أن تنفذ مصر "تحولًا دائمًا إلى نظام مرن لسعر الصرف" بدلاً من استخدام احتياطيات العملات الأجنبية للحفاظ على سعر الصرف.
وقالت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، فلادكوفا هولار، في مقابلة مع رويترز:
"إن الصندوق يترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بشكل دائم بعد إلغاء الاعتمادات المستندية والعودة لمستندات التحصيل."
ويتوقع صندوق النقد الدولي رؤية تحركات يومية لسعر الصرف في مصر بنهاية الشهر الحالي، بعد إلغاء الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية، بحسب ما أفادت به وكالة رويترز.
وفي هذا الإطار، قال محمد أبو باشا، رئيس تحليل الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار EFG Hermes: "إنه لم يتضح على الفور ما إذا كان الانخفاض الأخير يمثل الانتقال المتوقع إلى نظام مرن لسعر الصرف".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى مراقبة المستوى الذي ستستقر عنده العملة في نهاية المطاف، وإلى أي مدى سيؤدي ذلك إلى تحسن السيولة بالعملة الأجنبية في البنوك وما إذا كنا سنشهد المزيد من التقلبات في الجنيه في المستقبل".
كانت الحكومات المصرية المتعاقبة مترددة في الانتقال إلى سعر صرف مرن لتجنب القفزات الكبيرة في الأسعار بسبب الاعتماد على الواردات للعديد من احتياجاته الأساسية. لكن ندرة العملات الأجنبية في الأشهر الأخيرة وظهور السوق السوداء بالدولار عزز من مستويات التضخم وجعلها تقفز نحو الـ 21.9% في ديسمبر، وهو أعلى مستوى منذ 2017.