محمد سعيد يكتب .. صناعه الوهم مع العملات الرقمية
ظهرت مؤخرًا مع انتشار العملات الرقمية، جيل جديد من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، وصاروا يقدمون النصائح لملايين المتابعين. وحتى بعد فشل العديد من نصائحهم، ما زالوا يجنون الأرباح من متابعيهم.
اصبح مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي يبثون من سياراتهم وغرفهم، ويقدمون النصائح لملايين المتابعين. بل و حريصون تماماً للظهور بهيئة مهنية نوعا ما، وقد يلتبس على المرء تشبيههم بهيئة المحلل المالي أو خبير أسهم أو خليط من ذلك كله. أرباحههم لا تتأتى فقط من المضاربة بالعملات الرقمية، بل أكثر من ذلك.
تتزايد بعض أرباحههم تأتي نظير التسويق لعملة أو منصة بعينها. بعضهم أصبح يبيع قطع ملابس بشعارات العملات الرقمية، وآخرون صاروا يطرحون دورات مدفوعة. كل هذا يعني أن مصادر أرباحهم تأتي من المتابعين بغض النظر عن تقلبات السوق.
في نوفمبر ٢٠٢١، ظهر مؤثر اسمه John Vasquez يمتلك مليون متابعاً في فيديو تيك توك ناصحا متابعيه بالاستثمار في ست عملات رقمية. جميعها خسرت اليوم ٧٣٪ من قيمتها. كان يقدم سابقا نصائح مالية بحكم خبرته البنكية كمدير فرع لبنك، ومن ثم تحول إلى العملات الرقمية وذاع صيته. مؤثر آخر لقبه aka MM Crypto كان سابقا سائق تكسي، وصار مؤثر عملات رقمية. مؤثر ثالث اسمه Jaszczynski تنبأ أن البتكوين سيصل إلى ٣٠٠ ألف دولارا قبل انهياره الأخير. المعضلة الحقيقية في سوق المؤثرين أن معظمهم لا يمتلك شهادات علمية أو مهنية في التحليل المالي. المحللون الماليون التقليديون يخضعون لدورات تدريبية مكثفة قبل التعامل مع أموال الناس، وهذا لا يحدث في سوق العملات الرقمية.
حتي عندما يهوي سوق العملات الرقمية، المؤثرون يلجأون إلى مصادر ربح أخرى مثل التوصية بعملات رقمية ما أو منصات ما مقابل عمولة على كل مستثمر. مثلا، بعض المؤثرين سوقوا لمنصة Bybit التي تسمح بالتداول بأضعاف الممتلكات الحقيقية، وهو سلاح ذو حدين. إن نجح الرهان تضخمت الأرصدة، وإن أخفق زادت الديون. وهذه المنصة كانت تسمح بالتداول بمائة ضعف قيمة الموجودات الحقيقية. كانت تعطي كل مؤثر ٥٠٠ دولارا على كل مضارب جديد، ومجمل ما منحته كعمولات للمؤثرين يتجاوز المائة مليون دولارا.المؤثرون عموما لا يعنيهم خلق شخص ثري ناجح، بل خلق الأموال من هذا المضارب ولو كان على حساب أحلامه.
بالأضافه الي ذلك المبالغ المدفوعة اللاتي يقدمونها للمتابعين. المؤثر Vasquez أفصح عن أنه جنى أكثر من مليون دولارا من هذه الدورات، واشترك فيها أكثر من ١٢٠٠ مضاربا. ناهيك عن المقابلات المدفوعة مع المنصات غاية التسويق للمتابعين، وبعض المقابلات قد يصل ثمنها إلى أكثر من ٤٠ ألف دولارا، وكثير من المتابعين لا يفصحون عن أن هذه المقابلات دعائية.
بدأت الجهات التنظيمية في أمريكا وأوروبا وأستراليا قبل أشهر بزيادة المراقبة على المؤثرين، إلا أن جهودها ما زالت في البدايات، والمؤثرون لا يظهرون أي إشارات عن عزمهم التوقف. يتذرعون أن التنبؤات على المدى البعيد، حتى أن مؤثرا تنبأ أن سعر البتكوين سيزيد ٤٠٠٠٪ بحلول عام ٢٠٢٤. لربما تصيب تنبؤاته، من يدري؟! ولكن من سيعوض ملايين المتابعين الذي اقتفوا أثر نصائحه على المدى القصير، وهو في ذات الوقت كانت أرصدته البنكية تتضخم؟! سوق العملات الرقمية قد يصعب فيه التحليل كونه سوقا غير منظم، وتلقي النصائح الاستثمارية من أشخاص جلهم لا يمتهنون التحليل المالي مغامرة عالية التكاليف، ويكفي أن نتذكر كيف أن تغريدة مفاجئة من إيلون ماسك في ليلة ظلماء كافية لقلب الأسعار في دقائق أو ساعات معدودة.